خطب ومحاضرات

كمثل الكلب

كمثل الكلب

عجيب أمر هذا الإنسان! يؤتيه الله آياته ويخلع عليه من فضله ويكسوه من علمه، ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والارتفاع، ولكن هذا الإنسان وباختياره ينسلخ من هذا كله، كأنما الآيات لباس له متلبسة بلحمه، فينسلخ من آيات الله ويتجرد من الغطاء الواقي والدرع الحامي، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى، فإذا هو مُسخ في هيئة الكلب، يهبط عن مكان الإنسان إلى مكان الحيوان، مكان الكلب الذي يتمرغ في الطين، يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد.

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمد عبده ورسوله ." يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " ،" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "،" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أما بعد ـفإنَّ أصدق الحديث كلام الله تعالى ، وخيرالهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،وشرالأمور محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

ايها الإخوة المؤمنون ،قال تعالى: " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ " [الأعراف:175-177]أيها المؤمنون، هل يوجد مثل أسوأ من هذا المثل؟! وهل يوجد شيء أسوأ من الخروج والانسلاخ من الإيمان؟! وهل يوجد مثل أسوأ من اللصوق بالأرض واتباع الهوى؟! وهل يظلم إنسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا ويدعها عرضة للشيطان؛ يضلها ويهبط بها إلى عالم الحيوان اللاصق بالأرض الحائر القلق اللاهث لهاث الكلاب ؟! هل هذا نبأ يتلى، أم أنه مثل يضرب في صورة النبأ لأنه يقع ويتكرر كثيرا في مجتمعنا؟! ذكرت كتب التفسير روايات كثيرة حول هذا النبأ، مضمون بعضها يدور حول قصة رجل من بني إسرائيل كان يدّعي الصلاح والإيمان، ويتظاهر بالتقوى والورع، وأنه على دين موسى عليه السلام، فأرسله موسى إلى ملك مدين، وكان هذا الملك مشركا يدعوه إلى الإيمان، فما كان من هذا الملك إلا أن قرب هذا الداعية وألان له القول، ورشاه بالأموال وأغراه بالهدايا والتحف، ووعده بالجاه والسلطان، فما كان من هذا الداعية أو بالأحرى هذا الرجل المرائي إلا أن لانت نفسه وخارت قواه وسقطت عزيمته وسال لعابه، فتابع الملك على دينه، وكفر بدين موسى عليه السلام مع علمه بأن دين موسى على الحق ودين الملك على الباطل، فانكشف أمره وظهر على حقيقته. وهكذا ـ أيها المسلمون ـ يكون مصير كل مدع أو متستر وراء الدين أو متاجر به، لا بد أن يكتشف سرّه، فيظهر زيفه وبطلانه، وتنجلي حقيقته أمام الناس.وقد جاء في بعض الأحاديث أن هذا الرجل ممن آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه، وأن له أشعارا ربانية وحِكَما وفصاحة، ولكن الله لم يشرح صدره للإيمان.أيها المؤمنون، جاء عن حذيفة بن اليمان بإسناد جيد أن رسول الله قال:(إن مما أتخوف عليكم رجلا قرأ القرآن حتى إذا رأيت بهجته عليه وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء، انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك)، قال: قلت: يا نبي الله، أيهما أولى بالشرك: المرمي أو الرامي؟! قال: (بل الرامي).أيها المسلمون، يتوجب علينا نحن المسلمين أن نستفيد من هذا النبأ، نبأ الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، فهو يمثل حال الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وحال الذين يكذبون بآيات الله بعد أن تبين لهم فيعرفوها، ثم لا يستقيموا عليها ولا يعملوا بها. ما أكثر ما يتكرر هذا النبأ في حياة البشر! وما أكثر الذين يعطون علم دين الله ثم لا يهتدون به! إنما يتخذون هذا العلم وهذه المعرفة وسيلة لتحريف الكلم عن مواضعه.فمثل هؤلاء كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ. إخوة الاسلام، ورد ذكر الكلب في ثلاث سور من كتاب الله تعالى، في المائدة والأعراف والكهف، وورد ذكره في السنة أكثر من ذلك.والكلاب أمة من الأمم، لنا معها أحكام كثيرة، فالملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ،والكلب إذا ولغ في الإناء فإنه يغسل سبعًا إحداهن بالتراب.ونهى النبي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن، وشبه المصطفى عليه الصلاة والسلام من يرجع في هديته بالكلب الذي يرجع في قيئه فقال:(ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه) رواه البخاري، ونهى عن بسط الذراع في الصلاة فقال : (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب).ومن اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراطٌ. واختُلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب،والراجح جوازه للحاجة.والإحسان إلى الكلب يستجلب رحمة الله، كما جاء في البخاري: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟! فقال: (في كل ذات كبد رطبة أجر).وسُئل صلى الله عليه وسلم عن كلاب الصيد فقال:(إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليكم وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل)، قال الله تعالى:" يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ." والكلاب كلها نجسة المعلمة وغير المعلمة، الصغير منها والكبير، ولا فرق بين الكلب المأذون في شرائه وغيره، ولا بين كلب البدوي والحضري لعموم الأدلة.والعرب قديمًا كانت تسمي بالكلب بعض أبنائها، وكلاب اسم رجل من أجداد النبي ، وهو كلاب بن مرة بن كعب. سُئل أعرابي: لم تسمّون أبناءكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب، وتسمون عبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح؟! فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا ونسمي عبيدنا لأنفسنا. وكأنهم قصدوا بذلك التفاؤل بمكالبة العدو وقهره.والكلب حيوان عجيب؛ فهو شديد الرياضة، وفي طبعه الاحتلام، وتحيض إناثه وتحمل ستين يومًا، وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات، ومن طبعه أنه يحرس صاحبه شاهدًا وغائبًا، ذاكرًا وغافلاً، نائمًا ويقظانًا، وهو أيقظ الحيوان عينًا، وغالب نومه في النهار، وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقها، وذلك لخفة نومه، ومن طباعه التودد والتألّف بحيث إذا دعي بعد الضرب والطرد رجع، ويقبل التأديب والتلقين والتعليم كما قال تعالى: " تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ [المائدة:4]." والكلب إذا عُلّم تحصّل له فضيلة على غير المعلَّم، فكيف بالإنسان إذا كان له علم فهو أولى أن يكون له فضل على غيره.
أيها المسلمون، شبه الله جل وتعالى ذلك الشخص الذي ينحرف عن منهج الله عز وجل وهديه بعد معرفته بالكلب، مع الخذلان والهبوط والانسلاخ من آيات الله والعياذ بالله. ذلك الذي آتاه الله آياته، فكانت في متناول نظره وفكره،ولكنه انسلخ منها وتعرى عنها، ولصق بالأرض واتبع الهوى، فلم يستمسك بالآيات الهادية،استولى عليه الشيطان، وأمسى مطرودًا من حمى الله، لا يهدأ ولا يطمئن، ولا يسكن له قرارَ.عجيب أمر هذا الإنسان! يؤتيه الله آياته ويخلع عليه من فضله ويكسوه من علمه، ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والارتفاع، ولكن هذا الإنسان وباختياره ينسلخ من هذا كله، كأنما الآيات لباس له متلبسة بلحمه، فينسلخ من آيات الله ويتجرد من الغطاء الواقي والدرع الحامي، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى، فإذا هو مُسخ في هيئة الكلب، يهبط عن مكان الإنسان إلى مكان الحيوان، مكان الكلب الذي يتمرغ في الطين، يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد. ما أكثر الذين يُعطَون علم دين الله ثم لا يهتدون به، إنما يتخذون هذا العلم وسيلة لتحريف الكلم عن مواضعه واتباع الهوى به. كم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله ثم يزيغ عنها ويعلن غيرها ويستخدم علمه في التحريفات المقصودة والفتاوى المقلوبة، والأخطر إذا كانت الفتاوى مطلوبة. فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فعالم السوء مشبه بالكلب الذي هو أخس الحيوانات همة وأسقطها نفسًا وأوضعها قدرًا.وإذا كان هذا مثل من باع آخرته بدنياه فما عساه يكون مثل من باع آخرته بدنيا غيره؟! إنه مثل لكل من آتاه الله العلم فلم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان، وانسلخ من نعمة الله، ليصبح تابعًا ذليلاً للشيطان، ولينتهي إلى المسخ في مرتبة الحيوان.ومصيبة الأمة اليوم من هذا النوع من علماء السوء، الذين يلبّسون على الناس دين الله، عن هوًى في قلوبهم والعياذ بالله، ليدركوا شيئًا من حطام هذه الدنيا الفانية.
أيها المسلمون، ومع معرفة نجاسة الكلب وثبوت ذلك علميًا إلا أنك تستغرب وأنت ترى الغرب اليوم لهم عناية غير عادية بالكلاب، من جهة شرائها وتربيتها وملاعبتها، بل والنوم معها والاعتناء الشديد بها، يصل أحيانًا أنهم يقدمونها على أولادهم، وأنشؤوا لها أماكن مخصصة، من أندية ومستشفيات ومحاضن خاصة، بل ويكتب بعضهم لها شيئًا من الميراث، فتسأل: أين هي عقول القوم؟! ألم يجدوا حيوانًا آخر يعتنون به سوى الكلب؟! وهذا الاهتمام ليس من العامة فقط، بل تشاهد ذلك من بعض زعمائهم ورؤسائهم.عجيب ما يحصل في عالمنا اليوم، كلب يتمتع باللحم وشعوب لا تجد العظم، كلب يتحمم بالصابون وشعوب تسبح في الدم، كلب في الأحضان يرتاح يمص عصير التفاح وينال القُبلة بالفم وشعوب تبحث عن الخبز في المزابل وتنام ولا يحصل لها نوم. ولو اقتصر الأمر على الغرب والغربيين لقلنا لهم دينهم ولنا دين ،ولكن المصيبة العظمى والكارثة الكبرى أن تنتشر في مجتمعاتنا الاسلامية ظاهرة تربية الكلاب داخل البيوت وجلوسهم فوق السجائد واقتسامهم فراش النوم مع الزوج والزوجة وينالون من اللطف والحنان ما لا يناله الأولاد.فالكلب أصبح رمز الحضارة والتقدم. وحتى نكون متقدمين علينا ان نتبع الغرب في كل شيء حتى لو دخلوا جحر الضب دخلناه معهم.
عباد الله ،إن هذا العصر هو أعنف عصور البشرية وأغزرها دمًا وأشدّها دمارًا. وذلك في وقتٍ وصلت فيه الثقافة والعلوم والتعليم والمخترعات والمكتشفات إلى درجة عالية من التقدم ، ولكن ومع كلّ هذا النفع  يصبح هذا العصر أعظم العصور قسوةً ووحشية. و يزول العجب وترتفع الغرابة إذا استرجع المسلم قول الله عز وجل:" يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]، غفلوا عن الآخرة فنسوا ربهم، و شرّعوا لأنفسهم،واستبدّوا في أحكامهم.العالم اليوم شرقيه وغربيه يستعمل ذكاءه ويسخر علومه في أسلحة الدمار الشامل وغير الشامل والصراع على موارد الخيرات والتنافس غير الشريف.أيها المسلمون، الكلب قد يكون جنديًا من جنود الله عز وجل يرسله الله على من كفر بالله أو استهزأ بدينه، والنبي دعا على عتبة بن أبي جهل عندما جاءه وهو في جمع من الناس يسخر منه ويتمادى في الاستهزاء وهو يقول: يا محمد، أشهد أني قد كفرتُ بربك وطلقت ابنتك، وكان النبي قد زوجه ابنته رقية قبل البعثة، فدعا عليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله:(اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك)، قالها في يقين ممزوج بالأسى، وعيناه وقلبه إلى السماء يستنصر الله. فخرج عتبة في قافلة تجارية إلى الشام، وليس نصب عينيه وأذنيه ومشاعره إلا دعوة محمد:(اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك). بدأ الركب مسيره إلى الشام وفي الليل بلغوا واديًا يسمى وادي القاصرة، وهو كثير السباع، فنزلوه للاستراحة، فأصر عتبة أن لا ينام إلا وسط رفاقه خوفًا من دعوة النبي ، فلم يفق القوم إلا وأسد يشم رؤوس القوم رجُلا رجلاً حتى انتهى إلى عتبة، فأنشب مخالبه في صدغيه فقتله، فصرخ عتبة: يا قوم، قتلتني دعوة محمد.والعالم اليوم يعج بالذين يسخرون بآيات الله من داخل هذه الأمة وخارجها ،فيستهزئون بدين الاسلام ورسول الاسلام وكتاب الاسلام ، يسخرون بأحكام الدين ويكتبون عن المرأة ما يخالف أحكام الله عز وجل صراحة، نسأل الله جل وتعالى أن يسلط عليهم كلبًا من عنده، يمزقهم شر ممزق، كما يحاولون تمزيق أخلاق الأمة وفكرها وعقيدتها. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. وغفر لي ولكم ولجميع المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله .أما بعد: أيها المسلمون،عندما تضعف أمة الإسلام فإن كلاب الأمم تطمع بخيراتها ومقدّراتها، بل تتجرأ على غزو ديارها، وهذه الكلاب لا يُجدي معها سوى لغة إلقام الحجر، ولا يردعها ، ويردّها خاسئة ذليلة حقيرة إلا منطق سليمان عليه الصلاة والسلام:"ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ [النمل:37] ولا يردّها عما عزمت عليه غير منطق "الجواب ما ترى لا ما تسمع".لقد كان هذا هو منطق أمير المؤمنين وخليفة المسلمين في زمانه هارون الرشيد رحمه الله، يوم أطلقها مُدوّية من بغداد عندما تجرأ نقفور ملك الروم، فكتب مُجرّد كِتابة إلى هارون ملك العرب: "أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهنّ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قِبلك، وافتد نفسك، وإلا فالسيف بيننا". فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرق جلساؤه خوفًا من بادرة تقع منه، ثم كتب بيده على ظهر الكتاب: "من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه". ثم ركب من يومه وأسرع حتى نزل على مدينتهم وأوطأ الروم ذلاً وبلاءً، فقتل وسبى وأذل نقفور كلب النصارى، فطلب الموادعة على خراج يؤديه إليه في كل سنة، فأجابه الرشيد إلى ذلك. لله در هارون الرشيد، ألا يوجد مثلك اليوم رَجُلٌ رشيد؟!إن الأمة اليوم بحاجة إلى مُخاطبة كلاب الأمريكان والصهاينة بهذا الخطاب وبهذه القوّة وبهذه اللغة لأنّ المواجهة بين المسلمين وكلاب الأمَم لم تتوقّف منذ فجر الإسلام، مصداقًا لقول الله تعالى: "وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]. ولعل ذلك من أقدار الله الغالبة ومن ابتلاءات الخير والشر، فالمسلمون مستهدفون بأصل إيمانهم، وسوف تتداعى عليهم كلاب الأمم لتأكل خيراتهم وتستنزف طاقاتهم وتتحكّم ببلادهم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وسوف تجتمع عليهم، ولن ترضى عنهم حتى يتخلوا عن دينهم ويصبحوا أتباعًا لهم ." وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].وهذا قد يكون طبيعيا من الأعداء، لكن المشكلة في غالب الأحيان تتمثل في غفلة المسلمين وسُبَاِتهم، وعدم الوعي بمكر عدوهم، غفل المسلمون وركنوا إلى الذين ظلموا، ووالوا أعداء الله، وخدِعوا بعهود ووعود، فكان السقوط وكان التخلف وكانت الهزيمة الثقافية والسياسية والعسكرية، لكن من نعمة الله على المسلمين أن تسليط عدوهم عليهم ليس تسليط استئصال وإبادة؛ لأنهم أمة النبوة الخاتمة، وإنما تسليط عقوبة على المعاصي الفكرية والمعاصي السياسية والمعاصي الأخلاقية التي يقَعون فيها، قال الله تعالى:" لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى [آل عمران:111]. "هذا الأذى هو في كثير من الأحيان خير، لأنه يوقظ الأمة من نومها ويحيي فيها روح التحدي والمقاومة لتعيش حياة العزة، حياة الأحرار.
اللهم اشغلنا بما خلقتنا لأجله، ولا تشغلنا بما خلقته لنا، وأدم علينا عين عنايتك.اللهم إنا نسألك  أن تعطينا ما يرضينا في أنفسنا، وأن تعطينا ما يرضينا في أزواجنا، وأن تعطينا ما يرضينا في أولادنا.اللهم يا من بيده ملكوتُ كل شيء، يا من يجير ولا يجار عليه، انْصُرْ عبادك المؤمنين المظلومين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، انصر عبادك المؤمنين المستضعفين المظلومين يا رب العالمين.اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، اهزم الطغاة الذين أعلنوا الحرب على إسلامك وقرآنك يا رب العالمين.اللهم يا من لا تضيع عنده الودائع، استودعنا لديك دعاءنا ورجاءنا وآمالنا، فاستجب اللهم دعاءنا، وحقق اللهم رجاءنا، ولا تخيبنا في آمالنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين.ربنا اغفر لنا ولوالدينا، ولإخواننا الحاضرين، ووالديهم، ولسائر المسلمين، والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

 جمعة 12 صفر 1428/ 02 مارس 2007
مسجد الرحمن/ دبيلت ـ هولندا