خطب ومحاضرات

علاج الغفلة عن الله

cracksle5

علاقة الغالبية العظمى من المسلمين في أيامنا هذه بالإسلام أصبحت علاقة انتماء فقط، فالمسلم يعلم أنه مُنْتَمٍ إلى هذا الدين، ويعلم شيئا من تعاليم الإسلام، وربما يعتزُّ بانتمائه هذا، أما ما وراء ذلك فهو تائه عنه وغائب.أكثر المسلمين اليوم ينطبق عليهم هذا الحال فإِنْ صلّوا؛ فإنّ صلاتهم وظيفة من وظائف البدن لا تتسرب إلى القلب ولا يسري سلطان منها على النفس.

الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، وداعيا بإذنه وسراجا منيرا ،اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله عز وجل. أما بعد، عباد الله: سؤال يتردد كثيراً على ألسنة الكثير من الناس، لاسيما الشباب الذين اقبلوا على الله سبحانه وتعالى في خضم هذه الموجة المباركة ،موجة الاصطلاح مع الله عز وجل، موجة العودة إلى الله التي نلمسها في كثير من بلداننا العربية والاسلامية. هذا السؤال يتلخص في: كيف السبيل إلى أن يكون قلب المؤمن رقيقاً خاشعاً؟

كيف السبيل إلى أن يكون المؤمن في صلاته مقبلاً على الله، غير معرض عنه بفكره، غير تائه عنه بقلبه؟ الذين يطرحون هذا السؤال والحمد الله إنما يدفعهم إلى سؤالهم هذا أنهم يعانون شيئا من الغفلة ومن القسوة، تصطدم مع رغبتهم  في القرب من الله عز وجل .هذه الفئة هي مجموعة قليلة من الناس ،أما الفئة العظمى والغالبية الكبرى من المسلمين فلا يخطر هذا السؤال على بالهم ، بل إنهم لا يشعرون ولا يعون أنهم يعانون من أمر خطير ينبغي أن يبحثوا له عن علاج .والعلاج موجود والدواء الذي ينقلك من حال الغفلة إلى حال الشهود متوفر والحمد لله . شيء واحد - بعد الإيمان الحقيقي بالله عز وجل طبعاً – يمكنه أن يرقق القلب ويحرر صاحبه من القسوة :إنه الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، واتخاذ هذه الوظيفة ورداً يوميا . هذه القلوب أيها الإخوة تصدأ، تماماً كما يصدأ أي معدن من المعادن، وجلاء هذه القلوب إذا أصابها الصدأ دواء واحد هو ذكر الله سبحانه وتعالى، وإذا عرفنا هذا الدواء أدركنا السبب فيما يعانيه جلّ المسلمين اليوم. علاقة الغالبية العظمى من المسلمين في أيامنا هذه بالإسلام أصبحت علاقة انتماء فقط، فالمسلم يعلم أنه مُنْتَمٍ إلى هذا الدين، ويعلم شيئا من تعاليم الإسلام، وربما يعتزُّ بانتمائه هذا، أما ما وراء ذلك فهو تائه عنه وغائب.أكثر المسلمين اليوم ينطبق عليهم هذا الحال فإِنْ صلّوا؛ فإنّ صلاتهم وظيفة من وظائف البدن لا تتسرب إلى القلب ولا يسري سلطان منها على النفس. وإن جاء موسم الصوم فصاموا رمضان؛ فصومهم وظيفة بدنية يلزمون أنفسهم بها.. وإن أقبل موسم الحج هرعوا إلى الحج بدوافع وأهداف متنوعة ، أما القلب فهو في كل الأحوال ساكن صامت،لا يتفاعل مع حقائق الإيمان والإسلام، لأنه يعاني من صدأ؛ من ظلمة حالكة، بل يعاني من الرّان الذي تحدث عنه كتاب الله عز وجل. وسبب ذلك أن هؤلاء المسلمين منغمسون في دنيا تخنق الإنسان و تقضي على مشاعره الإيمانية، وليس لهم مقابل ذلك أي نافذة تشدهم إلى الله عز وجل، والنافذة التي يشع منها النور هي : معالجة القلب بذكر الله سبحانه وتعالى. وذكر الله سبحانه وتعالى له أنواع كثيرة ، فكل ما يذكرك بالله عز وجل داخل في معنى ذكر الله سبحانه وتعالى،المهم أن على المسلم أن يتخذ لنفسه وظيفةً أيْ ورداً يثابر عليه في كل يوم، يقبل بواسطته على الله سبحانه وتعالى.ولو كنا نتعهد تلاوة القرآن الذي هو نوع من أنواع الذكر لعرفنا أهمية هذا العلاج .ألا تقرؤون في كتاب الله عز وجل قوله: {وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الكهف:27] ألا تقرأ قوله عز وجل: {يا أَيُّها الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:1-4] ينبغي إذن أن يكون لك ورد دائم من تلاوة القرآن في كل يوم، وإياك أن تفسر هذا الورد بصحيفة أو صحيفتين أو ثلاث صفحات تقرأها ثم تملّ وتلقي القرآن جانباً، وتقوم وقد تخيلت أنك أديت الورد. لا، بل ينبغي أن تكون علاقتك بالقرآن أشد وأقوم وأبقى. اقرأ بتدبر ، بخشية  وتفكر .ألا تقرأ قول الله عز وجل {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "}{ محمد 24} ومن الذكر أن تكون للمسلم وظيفة من الاستغفار يتعهدها في كل يوم، وأفضل أوقات الاستغفار وقت السحر، يقول الله عز وجل وهو يصف عباده الصالحين:{كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ،وَبِالأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} {الذاريات} فإن شق عليك أن تقوم في هذا الوقت فاجعل لنفسك بديلاً عن هذا الوقت  المبارك أي وقت يناسبك، ولكن ينبغي أن تتعهد نفسك بالاستغفار، ينبغي أن تستغفر الله في اليوم مئة مرة، ألم تسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول في الحديث الصحيح:(إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة) أفيكون رسول الله أحوج منّا إلى الاستغفار؟ ألم تقرأ في كتاب الله عز وجل قوله وهو يخاطب رسوله محمداً، وكلُّ ما خاطب الله به رسوله فهو خطاب لنا جميعاً كما هو معروف:{فَاصْبِرْ عَلَى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ} [ق} ألا تقرأ قول الله سبحانه وتعالى وهو يتحدث عن مكانة المصطفى عند الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].هذا كله ذكر. وعندما يكون للمسلم ورد دائم من تلاوة القرآن، ومن الاستغفار، ومن التسبيح، ومن الصلاة على رسول الله، فلن يشكو من قسوة قلب، ولن يشكو من غفلة عندما يقوم إلى الصلاة ،لأن صدأ قلبه سيذهب، ودواء الصدأ هو هذا الذي ذكرته لكم أيها الإخوة، فاحرصوا وفقكم الله على أن تتخذوا لأنفسكم ورداً دائماً من هذه الوظائف التي يأمرنا بها كتاب الله سبحانه وتعالى؟ وأود التركيز اليوم على الصلاة على رسول الله، فربما كان حديثنا عن الاستغفار وعن تلاوة القرآن متكرراً، ولكن كثيرا من المسلمين لا يقدرون معنى الصلاة على النبي، يجب أن نقدر معنى هذا الكلام الرباني الذي يخاطبنا به عز وجل، إذ يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} صلاة الله على رسوله رحمة ورفع للمنزلة، ثم يقول: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} وصلاتنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء بأن يزيد الله عز وجل نبيه مكانة ورفعة، ومن وقف على الكثير والكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يتحدث فيها عن قيمة الصلاة على رسول الله؛ لا يمكن أن يترك لسانه يفتر عن الصلاة على رسول الله إلا أن يكون مشتغلاً بورد من قراءة القرآن أو من تسبيح أو من استغفار أو عمل من الأعمال الأخرى التي تقربه إلى الله سبحانه وتعالى.يروي عبد الرحمن بن عوف يقول: خرج رسول الله؛ فتبعته، فتحول إلى نخل - أي إلى بستان مليء بأشجار النخل - فتبعته؛ فسجد وأطال السجود - سجد في ذلك البستان ولعله سجد على الأرض المتربة - أطال السجود إلى أن خشيت أن يكون قد قبض، ثم رفع رأسه وأنا أنظر إليه، فقال: (مالك يا عبد الرحمن)؟ قلت: خشيت يا رسول الله وقد أطلت السجود أن تكون قد قبضت. قال: (جاءني جبريل فقال: ألاَّ أبشرك؟ يقول الله سبحانه وتعالى: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلّم عليك سلمت عليه) والحديث رواه النسائي وابن حبان في صحيحه وهو حديث صحيح. لو لم أحدثكم إلا عن هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهمية الصلاة عليه لكفى، ولكن انظروا إلى ما يقوله المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر، يروي أُبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام أحمد والترمذي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يبق من الليل إلا الربع قام فقال: (أيها الناس! اذكروا الله، اذكروا الله، فقد جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه) قلت: يا رسول الله! إني أصلي عليك كثيراً فكم أجعل من صلاتي عليك؟ قال:(ما شئت) قلت: الربع. قال:(ما شئت، وإن زدت فذلك خير لك) قلت: الثلث. قال:(ما شئت وإن زدت فذلك خير لك) قلت: فالنصف. قال:(ما شئت، وإن زدت فذلك خير لك)قلت: فسأجعل صلاتي لك كلها يا رسول الله. قال:(إذن يكفك الله همك، ويغفر الله لك ذنبك).أيها الإخوة، إن مكانة المصطفى صلى الله عليه وسلم العالية التي سيتبوؤها عند ربه لا تتوقف على صلاتنا قط، لكنه الوفاء يربينا عليه مولانا وخالقنا سبحانه وتعالى، هو الوفاء يعلّمنا ربنا أن نطبقه مع حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، كم له من منّةٍ في أعناقنا ؟.نحن اليوم مسلمون، ولولا المصطفى لما عرفنا الإسلام. نحن اليوم موحدون؛ ولولا حبيبنا المصطفى ما عرفنا معنى التوحيد.. نحن اليوم نذوق لذة عبوديتنا لله، وإنما ذقنا هذا الذي ذقناه بفضل حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم. إنه الوفاء لهذا النبي الكريم والله عز وجل هو الذي علمنا كيف نترجم هذا الوفاء . علمنا أن نقول لله عز وجل: اللهم أعط محمداً صلى الله عليه وسلم ما هو أهل له في ما قد هدانا إليه، فيما قد دلنا عليه، اللهم اجز محمداً صلى الله عليه وسلم عنّا ما هو أهله، ارفع اللهم مكانته عندك، زده قرباً منك، لأنه تفضل علينا فضلاً كثيراً . أرأيت إلى قول الله سبحانه وتعالى وهو يحدثنا عن علاقة الولد بأبويه:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً} [الإسراء] أرأيت إلى أبويك، هل تظن أن الله لن يرحمهما، وقد تعبا في تربيتك، وسهرا على رعايتك؟ أتظن أن الله لن يرحمهما إلاّ إذا دعوت الله بأن يرحمهما ؟أبدا. الله سبحانه وتعالى أكثر عدلاً ورحمة من ذلك، الأبوان سيأخذان أجرهما كاملاً غير منقوص، ولكن الله يعلمك أنت أيها الشاب أن تكون وفياً وبارّاً تجاه أبويك، فإذا قلت: رب ارحمهما كما ربياني صغيراً، إياك أن تظن أن رحمة الله لهما متوقفة على أن تدعو بهذا الدعاء، فإن لم تدع فإن الله لن يرحمهما. صلاتنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هذا القبيل..ولذلك ،أقول لنفسي ولكم ولكل من يسأل عن السبيل الأوحد إلى ترقيق القلوب القاسية وإلى التحرر من الغفلات في الصلوات والعبادات المختلفة: السبيل هو أن نجعل لأنفسنا وظيفة دائمة كافية وافية من ذكر الله عز وجل المتنوع، نستغفر الله، ونسبحه، نهلله، نحمده، نصلي على رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونجعل من ذلك ورداً دائماً لنا، فهل نفعل هذا؟ أين هم الذين يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشكل الذي يقوله المصطفى:(أكثروا من الصلاة عليّ في اليوم والليلة الزهراوين ليلة الجمعة ويوم  الجمعة)، (صلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني) (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) هذا ما يقوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.ومن عجب أيها الإخوة أن الحفلات تتكاثر بيننا فلا الألسن في هذه المجالس تتحرك بالصلاة على رسول الله، وقد يكون المجلس يذكِّر برسول الله؛ ولكن الصلاة على رسول الله غائبة؟ وأعجب من هذا أن تجد من يذكِّر ويقول: صلوا على رسول الله. لا الذي يذكر يصلي على رسول الله، ولا الآخرون يصلون على رسول الله؛ إلا أن يقولوها كلمة ثم يعودوا إلى غفلاتهم، تقليد، إسلامنا أصبح أمراً تقليدياً، فلا تعجبوا إذن أن يعاملنا الله عز وجل فيما يتعلق برحمته وإكرامه ونصره وتأييده أيضاً بالطريقة التقليدية.كونوا مسلمين صادقين مع الله عز وجل، ونفذوا أوامر الله كما طلب، وعالجوا أنفسكم بالإكثار من ذكر الله، وانظروا كيف ستتنزل الرحمات،وانظروا كيف سيرد الله عز وجل عنا الأذى والعذاب ومكر الماكرين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه ،إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد، أيها الإخوة المسلمون: حال المؤمن دائمًا كحال الغريب يسأل عن الدرب الذي يوصله إلى ما يريد، وهل للمؤمن مراد وهدف سوى الجنة؟! فإذا عرف المؤمن دربه لزمه، وثبت عليه لأنه الحق، ولأنه من الحق، ولأنه إلى الحق، و لو كان في ذلك حتفه وهلاكه. بين يديّ حديث جليل القدر، عظيم الشأن، كثير الفوائد، ينبغي لكل مسلم حفظه وفهمه والعمل بما فيه من الخصال المنجية من عذاب الله.الحديث رواه الحافظ أبو موسى المديني وقال: "حديث حسن جدًا"، وأخرجه الطبراني، وكان ابن تيمية رحمه الله يعظم شأنه.عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله يومًا ونحن في صفّة المدينة فقام علينا فقال:(إني رأيت البارحة عجبا، رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه فردّ ملكَ الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشياطين عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أمتي يلتهب عطشا ـ وفي رواية: يلهث عطشا ـ كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه، ورأيت رجلاً من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حِلَقا حلقا كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمّتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها، فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور، ورأيت رجلاً من أمتي يتّقي وهَج النار وشرَرها بيده، فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظلّلت على رأسه، ورأيت رجلاً من أمتي يكلّم المؤمنين ولا يكلّمونه، فجاءته صِلته لرحمه فقالت: يا معشر المؤمنين إنه كان وصولا لرحمه فكلّموه فكلّمه المؤمنون وصافحوه، ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيت رجلاً من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله عز وجل حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل، ورأيت رجلاً من أمتي ذهبت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه، ورأيت رجلاً من أمتي خفّ ميزانه، فجاءه أفراطه فثقّلوا ميزانه، ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوى في النار، فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله فسكن رعدته ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحيانًا ويتعلق أحيانًا، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته، ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة). أيها المسلمون، سبع عشرة خصلة اشتمل عليها هذا الحديث، كلّ واحدة منها كانت سببًا في إسعاد صاحبها وإنقاذه من العذاب، فلنحمد الله عز وجل أن هيّأ لنا أسباب السعادة والنجاة من العذاب، ولنمض في حياتنا مقدّرين فضل الله علينا، طالبين منه العون للتوفيق عملاً بما يرضيه؛ صلاةً وصدقة وصيامًا وحجًا وعمرةً وذكرًا لله وبرًا بالوالدين وصلة للأرحام واغتسالاً من الجنابة وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر وحسنَ خلق وخوفًا من الله وصبرًا على موت الأولاد الصغار ورجاءً لرحمة الله وبكاءً من خشية الله وحسنَ ظن بالله سبحانه وصلاةً على النبي وشهادةَ أن لا إله إلا الله، ففي الالتزام بهذه الأشياء فضلٌ عميم وأجر عظيم، فكونوا وفقكم الله من أهل الفضل والأجر.

اللهمّ إنا نسألك موجباتِ رحمتك، وعزائم مغفرتك، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. اللهم إنّا عبيدك وأبناء عبيدك، وأبناء إمائك نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في محكم كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، وجلاءَ غُمومنا، وهمومنا وأحزاننا، وأن ترزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على النحو الذي يرضيك يا ذا الجلال والإكرام.اللهم إنا نسألك بذل عبوديتنا لك، وبعظيم افتقارنا إليك، أن تعطينا ما يرضينا في أنفسنا وفي أهلينا وأزواجنا وفي أولادنا وذرياتنا إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. اللهم إنك أنت القائل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ} [الأنفال: 8/9] وها نحن نستغيثك فاستجب دعاءنا كما استجبت دعاء نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه البررة الكرام.اللهم لا تعاملنا بما نحن له أهل، وعاملنا بما أنت له أهل، إنك أهل التقوى وأهل المغفرة يا رب العالمين. 

جمعة 8 شوال 1428/ 19 أكتوبر 2007
مسجد الرحمن ـ دبيلت