خطب ومحاضرات

إقرأ كتابك

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وأتم علينا النعمة بأعظم منهاج شرع ـ منهاج الإسلام ـ ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ففتح به الله برسالته أعيناً عمياً وآذاناً صما وقلوباً غلفا، وعلم به الناس من جهالة وهداهم من ضلالة وأحياهم من موات وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، اللهم صل وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، أما بعد أيها الأخوة المسلمون فقد غاب عن أذهان الكثير من الناس أن الله تعالى ما خلقهم إلا ليعبدوه ويعمروا هذه الأرض بطاعته، فتمتّعوا بنعمِه وجحدوا فضلَه، أكلوا رزقه ونسوا شكرَه، تقلّبوا في خيراته آناء الليل وأطراف النهار وغفلوا عن ذكر الواحد القهار، ما تذكر الكثير منهم أن أعمالهم خيرا كانت أو شرا تكتَب لهم أو عليهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها،) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ([الزلزلة:7، 8].أيها المسلم، إن عملك ملازم لك كلزوم القلادة للعنق، ثم إذا كان يوم القيامة وجدت عملك في كتاب مفتوح أمام عينيك، ثم يقال لك: اقرأ كتابك وحاسب نفسك،( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا )[الإسراء:13، 14]، ولن تستطيع التحجّج حينئذ بأنك أمّي لا تعرف القراءة، فالكلّ سيقرأ، يقول الحسن: "الكل سيقرأ، أمّيا كان أو غير أمي". إنّ بعض النّاس يظنّون أنهم إنما يقولون ما يقولون ويعمَلون ما يعملون دونَ رقيب أو حسيب، وما فطنوا لغفلتهم، ونسوا أن أعمالهم وأقوالهم تحصَى عليهم وتكتب، كالعاص بن وائل الذي كان مدينًا لخباب بن الأرتّ رضي الله عنه، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص بن وائل: لا أقضيك حتى تكفر بمحمّد، فقال خباب: لا أكفر حتى تموت وتبعث، فقال العاص: أولستم تزعمون أنّ في الجنة ذهبًا وفضّة وحريرا؟! قال خباب: بلى، فقال ابن وائل: فأخِّرنى حتى أقضِيَك في الجنة؛ يقول هذا استهزاءً بخباب وبدين الإسلام، وما كان الله ليترك قولَه هذا دون إثبات، فأثبته عليه في كتاب يلقاه يوم القيامة منشورا، وأنزل الله تعالى فيه:) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدًّا [مريم:79] كلمات قالها العاص بن وائل، انظر كيف أثبتها الله تعالى عليه، فالحذر كلَّ الحذر من كلماتٍ تقال وعبارات تقذَف تكتَب علينا في صحائف أعمالنا، ثم لا نحدِث منها توبة أو استغفارا، ثم تكون علينا بعد ذلك وبالاً وخسرانا، )يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].قال بعض أهل الصلاح: هذا كتاب لسانك قلمه، وريقك مداده، وأعضاؤك قرطاسه، أنت كنت المملي على حفظتك، ما زيد فيه ولا نقص منه، ومتى أنكرت منه شيئا يكون فيه الشاهد منك عليك.إن الله تعالى أخبرنا ووعظنا ببعض أخبار الأمم السابقة التي بغت وظلمت وعتت عتوّا كبيرا؛ حتى إنهم تفوّهوا بكلمات يريدون بها النيلَ من ذات الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فسمع الله قولهم، وكتبها عليهم في صحائف أعمالهم، ونقلت إلينا أخبارهم عظة لنا وزجرا وتهديدا، يروي الله شأنهم فيقول تعالى: )لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ( [آل عمران:81]. إنهم أهل كتاب، ويعلمون أن الله هو الغني، ولكنهم أرادوا التشكيكَ في القرآن الذي جاء به نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأرادوا صدّ أقرانهم عن الدخول في الإسلام. إن الكتابة من أقوى أدوات الإثبات، فكتب الله عليهم وعلى من بعدهم الأعمال ليكون أقوى للحجة، فلا يستطيعون إنكار أقوالهم وأفعالهم. وقد يقول قائل: كيف ينكرون وهم أمام جبّار السموات والأرض؟! أقول: إن الإنسان في هذه اللحظات يطلب النجاة بأي صورة ولو بالكذب،انظر إلى قول المشركين وهم أمام رب العالمين:)وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) [الأنعام:23].أيها الأحبة، إن الله تعالى يأمر ملائكتَه بكتابة كل الأعمال الصالحة للعبد، ويحفظها لهم في صحائف أعمالهم؛ لتكون لهم بهجَة وفرحة وسرورا يوم يلقونه، يقول تعالى: )فَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ( [الأنبياء:94]، يقول الحسن: حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. قيل: إن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا أذنب العبد قال له: لا تعجل؛ لعله يستغفر الله. إن كلّ ما يفعله الإنسان ينسَخ ليكون شاهدا عليه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يقول تعالى: )هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29].عباد الله، قدّموا خير الأعمال لأنفسكم، واغرسوا أفضل الأشجار تجنوا أطيب الثمار، نريد أن نسعد بكتابنا وهو يجمع بين صفحاته كريمَ الأخلاق، نريد أن تنشرح صدورنا ونحن نرى صحائف أعمالنا تزيّن بالطاعات.أيها الإخوة، إن كلّ ما يفعله الإنسان يكتب له أو عليه، حتى الآثار الصالحة أو الطالحة التي يتركها بعد مماته تسطر وتسجل وتدوَّن عليه، يقول تعالى) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12]، يقول الإمام القرطبي: "يحيي الموتى بالبعث للجزاء، ثم توعدهم بذكره كتبَ الآثار وإحصاءَ كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان وآثارهم، أي: خطاهم إلى المساجد تكتب وتسجّل"، ويقول الآلوسي: "وآثارهم التي أبقوها بعدهم من الحسنات؛ كعلم علّموه أو كتاب ألّفوه أو حَبس في سبيل الله وقفوه أو بناء في سبيل الله تعالى بنَوه وغير ذلك من وجوه البر، وكذلك نكتب ما تركوا من فنون الشرّ التي تركوها وسنّوها بعدهم للمفسدين، قال أبو الجوزاء ومجاهد: يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه، وقال آخر: لا يكتب إلا ما يؤجَر به أو يؤزَر عليه، وقال بعض أهل العلم: يكتب عليه حتى الضّحكة والكحّة والعطسة".أيها المسلمون، إن أخذ الكتاب من المواضع التي ينسى الإنسان فيها أهله وولده، ولا يذكر إلا نفسه، وذلك لشدّتها، ففي الحديث الذي رواه الحسن أن رسول الله كان رأسه في حجر عائشة فنعس، فذكرت الآخرة فبكت حتى سال دمعها على خدّ رسول الله، فانتبه فقال: (ما يبكيك يا عائشة؟) قالت: ذكرت الآخرة، قالت: هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال:(والذي نفسي بيده، في ثلاث مواطن فإن أحدا لا يذكر إلاّ نفسه: إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخفّ ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ كتابه أو بشماله، وعند الصراط).أيها الإخوة، إن المجرمين يشعرون بالشفقة وهم يرون الكتب لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، يشعرون بالمرارة؛ على ربهم الذي عصوه، وعلى وقتهم الذي ضيّعوه، وعلى عمرهم الذي خربوه، وعلى مالهم الذي في الحرام أنفقوه،وعلى شبابهم الذي في معصية الله أفنوه، وعلى علمهم الذي في نشر الرذائل استثمروه. يقول تعالى:)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا( [الكهف:49]. كان الفضيل بن عياض يقول حين يقرأ هذه الآية: "يا ويلتاه، ضجوا إلى الله تعالى من الصغائر قبل الكبائر"، ويقول قتادة: "إياكم ومحقّرات الذنوب؛ فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه"، يريد أن ينبّه على الذنوب الصغيرة؛ لأن الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.فيا من تضيّع الصلاة، الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.يا من تعصي والِدَيك، الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.يا من تترك نساءك متكشِّفات متبرِّجات، الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. يا من أهملت تربية أولادك على الكتاب والسنة، الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.) أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت:40]. اللهم  افتح مسامع قلوبنا لذكرك وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك وعملا بكتابك .

الحمد لله {الذي يقبل التوبة عن عباده.ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد.}ـ الشورى 25/26 ـ واشهد أن لاإله إلا الله الملك الحق المبين واشهد أن محمدا رسول الله إمام الأنبياء وسيد المصلحين.اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.أما بعد :فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنهيَهُ وَلا تَعصُوهُ، اتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ. أخرج البخاري في صحيحه عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أُتي بطعام وكان صائمًا،فقال: قُتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني، فلم يوجد له ما يُكَفَّن فيه إلا بُردة، إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بُسِط لنا من الدنيا ما بُسِط ـ أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا ـ، قد خشينا أن تكون حسناتنا عُجِّلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.وأخرج البخاري ومسلم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: هاجرنا مع رسول الله نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه، قتل يوم أحد وترك بردة، فكنا إذا غطّينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدِبُها. عباد الله، تأملوا حالنا وما بسِط علينا من الدنيا وفتح، كم من أصناف الطعام نأكل! وكم يعرض أمامنا من أنواع الفواكه التي تجلب من آخر بلاد الدنيا ومنها ما لا نعرفه! وكم من فاخر الثياب نلبس! وكم من المراكب الفخمة نركب! وكم من القصور المشيَّدة نسكن! وكم من الفرش الوثيرة نرقد عليها! وكم من المقاعد الناعمة والأرائك الوثيرة نجلس عليها ونتكئ! وكم من الأموال نرصد! ثم لننظر ماذا قدمنا للآخرة.إن ما بسط على هؤلاء الصحابة الذين سمعتم الحديث عنهم قليل جدًا بالنسبة إلى ما بسط علينا، وما قدموه للآخرة من الأعمال الصالحة ليس عندنا منه إلا أقلَّ من القليل إن كان عندنا منه شيء، ومع هذا خافوا هذا الخوف أن تكونَ حسناتهم عجِّلت لهم، فبكى بعضهم حتى ترك الطعام مع شدّة حاجته إليه بعد الصيام، فجمعوا رضي الله عنهم بين إحسان العمل والخوف من الله ومحاسبة النفس، ونحن جمعنا بين الإساءة وعدم الخوف من الله، نأكل من نعَم الله ونتمتع بها ونبارزه سبحانه بالمعاصي، وكأننا لم نسمع قوله سبحانه: )فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(.عباد الله، حلال هذه الدنيا حساب،وحرامها عقاب، ومصيرها إلى الخراب، ولا يركن إليها إلا من فقد الرشد والصواب، كم من ذهاب بلا إياب، إنها رحلات متتابعة إلى الدار الآخرة ، يذهب فيها أفراد وجماعات، وآباء وأمهات، وملوك ومماليك،وأغنياء وصعاليك، ومؤمنون وكفار،وأبرار وفجار،كلهم سيودِّعون هذه الحياة، وينتقلون إلى الآخرة، ويُودَعون في قبور مظلمة،ينتظرون البعث والنشور.أيها الإنسان،مهما عشت وجمعت فإنك ميت راحل، وما في يديك زائل، ولا يبقى لك إلا عملُك، إنك خرجت إلى الدنيا من بطن أمك ليس معك شيء، وستخرج منها إلى القبر ليس معك منها إلا ما عملت، )وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام: 94]. إنك مررت بالدنيا في طريقك إلى الآخرة، وأتيحت لك الفرصة لتأخذ منها زادًا لسفرك، فأنت بمنزلة المسافر الذي هبط إلى السوق ليأخذ منه زادًا يبلغه في سفره ومسيره، فليس لك من هذه الدنيا إلا ما تزوّدت به للآخرة. أسأل الله سبحانه أن يوفقنا لصالح الأقوال والأفعال، وأن يجنبنا مواطن الزيغ والضلال، وأن ينصرنا بدينه وينصر بنا دينه... اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلح لي دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شرّ. اللهم هيئ لهذه الأمة من أمرها رشدا ،اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم اجمع كلمة هذه الأمة على الهدى وقلوبها على التقى وأنفسها على المحبة وعزائمها على عمل الخير وخير العمل، اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا واجعل غدنا خيراً من يومنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم انصرنا على أعدائك أعداء الإسلام، اللهم رد عنا كيدهم وفل حدهم وأذهب عن أرضك سلطانهم ولا تجعل لهم سبيلاً على أحد من عبادك المؤمنين.اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واخلفنا بركنك الذي لا يرام، ولا تهلكنا وأنت رجاؤنا،اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا وذرياتنا، وتُب علينا إِنك أنت التَّوَّاب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابلين لها وأتمها علينا.   و صل اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

جمعة 27 ربيع الأول 1429 / 04 أبريل 2008
مسجد الرحمن ـ دبيلت
محمد وحيد الجابري