قضايا اجتماعية

حالات منتقاة من الزمن العصيب

geestelijk

1- مسلمات وراء قضبان الغرب {هولندا كنموذج } 

....أن تنتزع منك فجأة القدرة على الانطلاق،حرية الحراك ..أن تجد نفسك ،في ساعات بل في دقائق، وراء باب مسدود لا تملك مفاتيحه..  تلك تجربة وجب الوقوف عندها.لم أبتل شخصيا،ولله الحمد ، بمثل تلك اللحظات القاسية العصيبة،ولكن قدر لي ،بحكم اشتغالي ـ كمرشد ديني ـ داخل السجون الهولندية ،لمدة تفوق الثماني سنوات ، أن أعايش المئات من التجارب الإنسانية المعقدة ،وأحيانا الخطيرة بل وحتى تلك التي لا تخطر على بال.

وقفت على كثير من الحالات الاجتماعية المستعصية على الفهم والهضم.وكنت أعود أحيانا في المساء إلى البيت فلا أجد لي شهية للأكل ولا للكلام .بل كنت أحيانا أحرم النوم في ميعاده من شدة انفعالي بقصة ذلك اليوم أو بالحالة التي اطلعت على تفاصيلها يومذاك. بجانب اشتغالي ب" الرعاية الروحية للسجناء" ، كما يسمونها رسميا في هولندا، كنت أيضا أخطب الجمعة في مسجد المدينة التي أسكنها ،وكنت أتطرق بالطبع للمشاكل التي يعاني منها أبناء وبنات المسلمين في المهجر، ومن بينها العدد المفزع الذي يقبع في السجون. وكانت تأتيني طبعا الشكاوى من الآباء والأبناء على السواء،وكل من الطرفين يلقي المسؤولية على الآخر،ومنهم من كان يحملها للغرب وقوانينه ونظم عيشه.أين يكمن الخلل؟وهل من حل أو حلول لواقع يزداد سوءا وتعقيدا مع مرور الأيام؟

لست أزعم التوفر على أدوية جاهزة يمكن توزيعها هنا وهناك وانتهى الأمر.القضية أكبر من ذلك بكثير،لذلك هدفي الأول من نقل هذه الأحداث هو اطلاع الكثيرين ممن يعتبرون الغرب جنة الأفارقة والحل الوحيد لكل مشاكلنا الاقتصادية،ويجهلون ما وراء الصورة البراقة، اطلاعهم على الوجه الحقيقي للهجرة ..وإخبارهم بصدق عن بعض المسكوت عنه في هذا المجال. ثانيا أريد أن يحاول الجيل الثالث ، باطلاعه على تلك الحالات ،أن يتحاشى وهو يربي أبناءه الوقوع فيما وقع فيه السابقون وأن يؤسس للمستقبل لوحة اخرى ، بألوان الربيع وليس برائحة الموت.


( يتبع لاحقا إن شاء الله )

  وحيد محمد الجابري
بلتهوڨن ـ هولنداـ ربيع 2008