12022024الإثنين
Last updateالجمعة, 17 تشرين2 2023 8pm

خطب ومحاضرات

المؤمن كالنحلة

المؤمن كالنحلة

التفكر من أفضل العبادات، فهو يورث الحكمة، ويحيي القلوب، ويغرس فيها الخوف والخشية من الله عز وجل.ولو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل،.قال أبو سليمان الداراني: "إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة"، ولما سئلت أم الدرداء عن أفضل عبادة أبي الدرداء قالت: التفكر والاعتبار

 الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين ، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.أما بعد ، التدبر والتفكر من أعظم العبادات،وهو من عبادات الأنبياء؛ نبي الله إبراهيم لما أراد الوصول إلى الحقيقة قال عنه ربه "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ" [الأنعام:75]،ورسول الله في غار حراء قبل البعثة كان يجلس طويلا ليتدبر آيات الله في الكون، بل الأعرابي الذي يسكن الصحراء لما سئل: كيف عرفت الله؟ قال: سبحان الله! إن البعر تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟! سبحانه.لذلك كان التفكر من أفضل العبادات، فهو يورث الحكمة، ويحيي القلوب، ويغرس فيها الخوف والخشية من الله عز وجل.ولو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل،.قال أبو سليمان الداراني: "إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة"، ولما سئلت أم الدرداء عن أفضل عبادة أبي الدرداء قالت: التفكر والاعتبار .سنتدبر اليوم إن شاء الله آية من كتاب الله العزيز تحكي لنا عن مخلوق عجيب من مخلوقات الله, فلله في كونه آيات عجيبة تستحق الوقوف أمامها طويلاً. مخلوق صغير الحجم عظيم المنفعة، قد تنظر إليه ولا تعطيه أي اهتمام على الإطلاق. إنها النحلة التي سمى الله باسمها سورة من سور كتابه العزيز: قال الله تعالى:" وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [النحل:68، 69].هذه النحلة الصغيرة فيها من الأسرارما يحير العقول. ألهم الله النحلة وهداها وأرشدها إلى أن تتخذ من الجبال بيوتًا تأوي إليها ومن الشجر ومما يعرشون، وليس للنحلة بيت غير هذه الثلاثة ، ثم أذن لها تعالى أن تأكل من كل الثمرات، وأن تسلك الطرق التي جعلها اللّه تعالى مذللة لها مسهّلة عليها من البراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة، ثم تُخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان ما بين أبيض وأصفر وأحمر وأسود ، فيه شفاء للناس .فسبحان من خلق فسوّى، وقدّر فهدى، وأخرج المرعى.ومن عجيب شأنها أن لها أميرًا يسمى اليعسوب،لا يتم لها رواح ولا إياب ولا عمل ولا مرعى إلا به، فهي مؤتمرة لأمره سامعة له مطيعة، يدبرها كما يدبر الملك أمر رعيته، حتى إنها إذا آوت إلى بيوتها وقف على باب البيت فلا يدع واحدة تزاحم الأخرى ولا تتقدم عليها في العبور،بل تدخل بيوتها واحدة بعد واحدة بغير تزاحم ولا تصادم .إن من تدبر أحوال هذه النحلة الصغيرة في اجتماع شملها وسياساتها وانتظام أمرها وتدبير ملكها يتعجب كل العجب، ويعلم أن هذا ليس في مقدورها ولا هو من ذاتها، فإن هذه أعمال محكمة متقنة في غاية الإحكام والإتقان، " أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ."
النحل مأمور بالأكل من كل الثمرات، خلافًا لكثير من الحشرات التي تعيش على نوع معين من الغذاء، ولا تأكل إلا الطيبات، زودها الله بشعيرات عصبية دقيقة يصل عددها إلى ثلاثين ألفًا تشكل حاسة الشم والسمع واللمس، وتعمل كالكشاف في ظلام الخلية. وللنحلة عيون كثيرة،مما جعل لها سعة أفق في النظر،فهي ترى أقصى اليمين وأقصى الشمال والبعيد والقريب في وقت واحد،علمًا بأن عيونها لا تتحرك أما فم النحلة فمن أعاجيب خلق الله في خلقه، فهو شديد الحساسية لما هو حلو الطعم طبيعيًا،ولا يتحرج من المواد المرة، إذ يحولها إلى حلوة بإذن ربه الذي ألهمه، فسبحانه وبحمده لا شريك له.أما سمع النحل فدقيق جدًا،يتأثر بأصوات لا تستطيع أن تنقلها أذن الإنسان،تحمل النحلة ضعفي وزنها،وتطير به في خفة وحيوية.هناك من النحل مرشدات،عندما تجد مصدرًا للغذاء تفرز عليه مادة ترشد إليه بقية النحل للرحيق، وعندما ينضب وينتهي الرحيق تفرز عليه المرشدات موادًا منفرة منه، حتى لا يضيع الوقت في البحث فيه، ثم تنتقل إلى مصدر آخر، فمن علّمها وأرشدها؟! الله جل جلاله، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، لا إله إلا هو. تستطيع النحلة خارج الخلية الرجوع إلى خليتها والتعرف عليها من بين آلاف الخلايا، بلا عناء ولا تعب، ولو ابتعدت عنها آلاف الأميال.والنحل من ألطف الحيوان وأنقاه وأنظفه، ولذلك لا تلقي مخلفاتها في خليتها، بل تطير ثم تلقيها بعيدًا عنها، وتأبى النتن والروائح الكريهة، تأبى القذارة، ولذلك إذا رجعت إلى الخلية بالعشية وقف على باب الخلية بواب منها، ومعه أعوان كثر، وكل نحلة تريد الدخول يشمها البواب ويتفقدها، فإن وجد فيها رائحة منكرة أو رأى بها قَذَرًا منعها من الدخول.في عالم النحل ملكة وعاملات، وفيه نظام وانضباط،، وكلها مظاهر من عظمة الخالق المبدع الذي جعل من أمة النحل مثالاً يحتذى به في التعاون والنظام. الكل يعمل حسب سنه ودوره، المهندسات والبناءات يشيِّدن البيوت ، والعاملات يقمن برحلات للكشف عن أماكن الرحيق، والكيميائيات يتأكدن من نضوج العسل وحفظه، والخادمات يحافظن على نظافة الشوارع والأماكن العامة في الخلية، والحارسات على باب الخلية يراقبن من دخل إليها ومن خرج، يطردن الدخلاء أو من أراد العبث بأمن الخلية. فمن علّم هؤلاء كل هذا؟! ومن أوحى لهنّ بهذه الأدوار؟ إنه رب العالمين الذي يقول:" وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ"  [النحل:38].هل تعلم أخي المسلم بعد ذكر بعض هذه الأسرارالعجيبة في عالم النحل أن النبي شبه المؤمن بالنحلة؟! قال رسول الله ـ كما في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (والذي نفسي بيده، إن مثل المؤمن كمثل النحلة؛ إن أكلت أكلت طيبًا، وإن وضعت وضعت طيبًا، وإن وقعت على عود لم تكسره ولم تفسده). جاء في شعب البيهقي عن مجاهد قال: صاحبت عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فما سمعته يحدث عن رسول الله إلا هذا الحديث: (إن مثل المؤمن كمثل النحلة؛ إن صاحبته نفعك، وإن شاورته نفعك، وإن جالسته نفعك، وكل شأنه منافع).من صفات النحلة أنها قليلة الأذى، منفعتها شاملة، وهي قنوعة وساعية بالليل، وتتنزه عن الأقذار، وأكلها طيب، ولا تأكل من أكل غيرها، وكذلك المؤمن قليل الأذى، منفعته شاملة له ولغيره. يستفيد من المؤمن كل من يعيش حوله حتى البهائم والجمادات، والمؤمن قنوع، وينزه عن الأقذار. المؤمن كالنحلة لا يأكل إلا طيبًا، لا يأكل من الحرام، المؤمن يتحرّى الحلال فلا يقع على حرام ولا شبهة، وإنما حلال خالص كما يقع النحل على الحلال الخالص، فيمص من رحيق الأزهار المتنوعة، وكذلك المؤمن يأخذ من العلم المفيد والمسائل النافعة بجميع أنواعها، ينوع مصادر العلم، ويتلقى عن أهل العلم الطيبين، فيتفاعل هذا العلم في نفسه وهذا الإيمان فينتجان العمل الصالح الشافي لنفسه والذي يدرك به الدرجات العلى عند ربه.وكما أن النحلة يتفاعل في بطونها هذا الرحيق الذي امتصته فتخرج به عسلاً مختلفًا ألوانه فيه شفاء للناس، فكذلك أعمال المؤمن فيها شفاء له ولغيره، وفيها منافع للناس.هذه النحلة التي قال عنها النبي : (إن وقعت على عود نخرٍ لم تكسره)،فكذلك المؤمن خفيف الظل ليس بثقيل، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا قال علي : (كونوا في الناس كالنحلة في الطير، إنه ليس من الطير شيءٌ إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم، فإن للمرء ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب) رواه الدارمي.وهكذا المؤمن، قد يُحتقر،ويُنظر إليه بعين الذلة، ولكن نفسه نفس أسد بشجاعته وجرأته وقوله بالحق وعمله بالحق وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر،لا يظهر أعماله الصالحة،لا رياء عنده ولا تصنع ولا سمعة،بل عنده إخلاص، يحسبه الناس ضعيفًا وهو عند الله عظيم.النحلة مطيعة لأميرها في كل شيء بنظام ودقة عجيبة، ولذلك كان من نتاج هذه الطاعة هذا الطعام الحلو اللذيذ النافع. والمؤمن في تعاونه مع المؤمنين وانقياده بالمعروف ولزومه الجماعة فإنه يثمر حسن العمل ،ويدافع عن حرمات ومقدسات الإسلام كما تدافع النحلة عن عرينها وعن خليتها أشد المدافعة، وتلسع من يحاول الاقتراب منه، وفي لسعها تشعر بالألم، وقد تفقد حياتها في سبيل الحفاظ على عرينها، والمؤمن في هذه الحياة بقوة إيمانه وقوة جسده وهو يدافع عن دينه ضد خصوم الشريعة وأعداء الملة يشعر بالألم، وقد يفقد حياته في سبيل دينه. وله بذلك الجنة إن شاء الله.
ولنا وقفات مع هذا المخلوق، كيف يتعامل مع ربه سبحانه وتعالى؟ وكيف نتعامل نحن مع الله؟ وهذه هي الوقفة الأولى؛ طاعة وامتثال يظهر فيها حسن تعامل النحل مع أوامر ربه،فمنذ أن أوحى الله سبحانه وتعالى إلى النحل بقوله: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً "، منذ ذلك الوقت يستحيل أن تجد للنحل بيوتا في غير هذه الأمكنة الثلاث: الجبال والشجر والبيوت، على نفس ترتيب الآية. أمرٌ من الله أعقبه تنفيذ من النحل بلا تسويف ولا تحايل ولا تباطؤ. ومن حسن امتثاله لأوامر ربه أنه دائما ما يتخذ البيوت قبل المراعى، فهي إذا ما أصابت موضعا مناسبا بنت فيه بيوتها أولاً، ثم بعد ذلك تخرج من تلك البيوت ترعى وتأكل من كل الثمرات، ثم تأوي إلى بيوتها؛ لأن ربها سبحانه وتعالى ،أمرها باتخاذ البيوت أولاً ثم الأكل بعد ذلك.وقد يفصل بين المراعي وبيوت النحل السهول والجبال.أين أنت ـ يا عبد الله ـ فيما أمرك الله به، لِمَ تجعل الله أهون الناظرين إليك؟! لِمَ نتباطأ في تنفيذ أوامر الله؟!الوقفة الثانية :علو الهمة في هذا المخلوق العجيب، فمن طبائعه أنه يرفض رفضًا باتًا أن يوجد في مملكته عاطل عن العمل، فمن طبائع النحل أنها لا تترك عندها بطالاً إلا نفته وأبعدته وأقصته عن الخلية؛ لأنه يضيق المكان ويُفني العسل ويعلِّم النشيط الكسل. وهذه مهارة إدارية راقية ما أحوجنا إليها في بلداننا الاسلامية. النحل يجيد توظيف الطاقات، فمن النحل من يعمل العسل, وبعضها يعمل الشمع, وبعضها يسقي الماء, وبعضها يبني البيوت, وبعضها يقوم بأعمال النظافة، وبعضها يقوم بأعمال التكييف والتبريد والتهوية, وبعضها يقوم بالتلقيح, وبعضها يقوم بالاستكشاف والاستطلاع، الكل يعمل وينتج، كل حسب سنه ووظيفته وقدراته وميوله واستعداداته، ومنهم من يقوم بالحراسة لطرد الغريب والدخيل، بل الكيميائيات يتأكدن من حفظ العسل ونضجه. من الذي علمها ذلك وأرشدها إلى ذلك؟! إنه الله جلا جلاله.وتأمل أيها المسلم، فمن أجل أن تقوم النحلة بإطعامنا كيلو جرام واحدا من العسل تقوم بما يقرب ستمائة ألف إلى ثمانمائة ألف طلعة، وتقف على مليون زهرة، وتقطع ما يزيد عن عشرة أضعاف الكرة الأرضية رغم الرياح والأنواء، وكأن الرسول لما شبه المؤمن الحق بالنحلة أراد منا أن نتمثل هذا الخلُق،أراد منا أن نتحلّى بثقافة النحل في السمو وعلو الهمة والتعامل مع الأمور بجدية وقوة .نبتغي بذلك وجه الله عز وجل؛طالب العلم مع علمه، والعامل في صناعته،والتاجر في تجارته، والمزارع في زراعته، والداعي إلى الله في دعوته.أين همم المسلمين؟ أين نحن من الدعوة إلى الله؟! اين نحن من الاهتمام بامورالاسلام والمسلمين ؟الوقفة الثالثة: اغتنام الوقت، وهذه الوقفة يحتاجها كل المسلمين لأننا لا نحسن استغلال الوقت كما ينبغي، فالنحل لديه قدرة فائقة على الاستخدام المزدوج للوقت، فهو لا يضيع وقته أبدًا فيما لا فائدة منه، بل يستغل كل ثانية فيما هو نافع.فمثلا في طريقها الذي قد يصل إلى عشرات الكيلومترات من مكان رحيق الأزهار إلى خلاياها تجري النحلة عدة عمليات كيميائية بالغة التعقيد لتحويل الرحيق إلى عسل، ويتم هذا في الطريق ولا تنتظر حتى تعود. ولقد أخذ اليابانيون هذه الفكرة من النحل في مجال الصناعة؛ فاليابان ليس عندها مواد أولية، وهم من كبار مصدري الستانلس، هذه المادة تتواجد بوفرة في أستراليا، والمسافة بين البلدتين شاسعة، فصنع اليابانيون بواخر عملاقة تصل إلى أواخر أستراليا، تأخذ المواد الأولية من هناك وفي الطريق إلى أسواق الشرق الأوسط يتم تصنيع هذه المواد الأولية في البواخر أثناء العودة، ثم يتم تسليمها مصنعة جاهزة إلى أسواق المستهلكين في كل مكان،وهذا ما تفعله النحلة،وهذا ما يجب أن يتحلى به المؤمن الحق.فالوقت سلاح نجح وسلم من أتقن حسن استغلاله، وتعِس من عطله ولم يعطه حقه. وتاريخ الأمم خير شاهد؛ فالأمة التي لا تنشئ أبناءها على كيفية إتقان إدارة الوقت والاستفادة من كل وحداته أمة مهزومة لا يمكن لها ولا لأبنائها أن يرتقوا أو يتبوَّؤوا منزلة بين العظماء. والله الذي لا إله غيره،إن أول أمنية تتمناها وأنت على فراش الموت هي أن ترجع إلى الدنيا لتستغل الوقت في طاعة الله، "حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا" [المؤمنون:99، 100] فاعتبر يا عبد الله. اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا واهد بنا وثبت على الحق أقدامنا.ادعوا الله عسى ان تكون ساعة استجابة.

الحمد لله ...أما بعد، أيها الإخوة المسلمون، من أعظم نتاج النحل هذا العسل، ومن أعظم نتاج المؤمن العمل الصالح، فكن ـ يا عبد الله ـ كالنحلة، تلقُط خيرًا وتلقي شهدًا.قال الله تعالى عن نتاج النحل:" يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ" [النحل:69]، وعن أبي سعيد الخدري أن رجلاً جاء إلى رسول اللّه فقال: يا رسول الله، إن أخي استطلق بطنه، فقال: (اسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه، سقيته عسلاً فما زاده إلا استطلاقًا! قال:(اذهب فاسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه، ما زاده إلا استطلاقًا! فقال رسول اللّه : (صدق اللّه، وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً فبرئ. أخرجه البخاري ومسلم. إن الشفاء الحاصل من العسل حُرِمه كثير من الناس،ولا ريب أن العسل شفاء كما أن القرآن شفاء،ولم يصِف الله في كتابه بالشفاء إلا القرآن والعسل، فهما الشفاءان، هذا شفاء القلوب من أمراض غيّها وضلالها وأدواء شبهاتها وشهواتها، وهذا شفاء للأبدان من كثير من أسقامها وأخلاطها وآفاتها. والمحروم من حرمه الله، فكثير من الناس يُحرم خير منافع كثيرة تكون حوله وقريبة منه، والسبب أنه لا يهيّئ نفسه للاستفادة من هذا الخير. فكما أن العسل شفاء وقد نص الله على ذلك، لكن يَحرم نفسه من هذا الشفاء كثير من الناس، فكذلك كثير من المنافع تكون مبثوثة حول الإنسان ويَحرم نفسه خيرها ونفعها. وإلا فهذه الدروس والمحاضرات كم عدد المستفيدين منها؟! وهذه الدعوة تسير قافلتها فكم عدد الملتحقين بها؟! وهذه أبواب مساعدة الفقراء والأيتام وبذل الصدقات للمحتاجين كم نسبة المشاركين فيها؟! نسمع يوميًا بعشرات المنكرات حولنا فيما نرى ونسمع ونقرأ فأين هم المنكرون لها؟! أبواب الخير من تفقّد الجيران وصلة الأرحام والسؤال عن الأقارب والأصحاب كم من المسلمين يتفاعل معها؟! وهذه مآسي الأمة وجراحاتها تحتاج إلى بذل المسلمين من أجلها فكم عدد المتألمين لواقع أمتهم؟! وكم هم الذين نالوا أجر المساهمة في تضميد جرح من جراحاتها؟!ايها المؤمن، لقد شبّهك النبيّ بالنحلة، فلا تحرم نفسك خير هذا التشبيه، وكن عنصرًا فعالاً تفيد وتستفيد.
اللهم أحي قلوبنا بطاعتك، واملأها بنورك وهدايتك، اللهم جنبنا الغفلات وموارد الهلكة والحسرات، اللهم زك نفوسنا،وارفع هممنا، واحفظ أوقاتنا من الضياع، وأيامنا من الغفلة، واجعل مقاصدنا في أوقاتنا عظيمة، وأعمالنا فيها صالحة كريمة. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ،وتحوُّل عافيتك،وفجاءة نقمتك،وجميع سخطك.اللهم احفظنا بالإِسلام قياماً،واحفظنا بالإِسلام قعوداً،واحفظنا بالإِسلام رقوداً، ولا تُشمت بنا عدواً ولا حاسداً. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويعاف فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم.اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر،وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء،الأئمة الحنفاء، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وعنا معهم بعفوك ورحمتك ياأرحم الراحمين.

                                                                                                                       ذ. محمد الجابري

جمعة 27 جمادى الأولى 1427 / 23 يونيو 2006
مسجد الرحمن ـ دبيلت/ هولندا

 

Bookmakers bonuses with www gbetting.co.uk site.