روى الطبراني في الأوسط أن امرأة عجوزدخلت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله لي أن يدخلني الجنة فقال:(إن الجنة لا تدخلها عجوز)ثم ذهب للصلاة فلما رجع قالت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لقد وجدت العجوز من كلامك شدة ومشقة،فقال:(إن الله يرجعهن أبكاراً).وكان صلى الله عليه وسلم يمازح أهله من زوجة وأولاد يقول صلى الله عليه وسلم:(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وأتم علينا النعمة بأعظم منهاج شرع، منهاج الإسلام، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، اللهم صل وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، أما بعد، فيا أيها الأخوة المسلمون ، إن من عظمة هذا الدين وشموليته وسعته أنه ما ترك شيئاً في حياة المسلم إلا ونظمه ورتبه، وجعل له قواعد وضوابط يسيرعليها ويلتزم بها، وذلك كله بأمر الله جل وعلا وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن مما يشتهر عند غير المسلمين وبعض المسلمين للأسف ، أن دين الإسلام دين كبت وحبس للنفس، فلا ضحك ولا مزاح، ولا لهو ولا متعة.وهذا بسبب جهلنا لديننا الإسلامي العظيم أو بسبب التشويه المتعمد من قبل وسائل الإعلام الكافرة التي تصورالإسلام والمسلمين بأبشع الصور.سنة النبي صلى الله عليه وسلم جاءت مبينة وموضحة لهذه القضية وسيرته صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون نموذجا لحياة المسلم. وقدجاء في السيرة النبوية صور كثيرة تذكر أن النبي كان يمازح أصحابه ويمازحونه،وهذا يفيد إباحة المزاح إذا خلى عن الحرام كالكذب والترويع.عن جابر كان رسول الله إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت: نذير قومٍ أتاهم العذاب، فإذا ذهب عنه ذلك رأيت أخلق الناس وجهاً وأكثرهم ضحكاً (تبسماً) وأحسنهم بشراً.رواه البزار، وإسناده حسن.وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا قال: (إني لا أقول إلا حقاً) رواه الترمذي وأحمد. فمزاح النبي لم يكن للعبث أو لمجرد الترويح، بل كان جزءًا من تربيته لأصحابه: قدم صهيب على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر وخبز قال: أدن فكل، فأخذ يأكل من التمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بعينك رمداً)، فقال: يا رسول الله: إنما آكل من الناحية الأخرى. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.وعن أنس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله احملني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا حاملوك على ولد ناقة، قال: وما أصنع بولد الناقة، فقال صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق) أبو داود ،والترمذي .وعن أنس قال: ربما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يا ذا الأذنين). كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلاً دميماً فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال الرجل: أرسلني. من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله: إذاً والله تجدني كاسداً فقال: صلى الله عليه وسلم، لكن عند الله لست بكاسد أو قال: لكن عند الله أنت غالٍ)رواه أحمد .وبينما أسيد يحدث القوم وكان فيه مزاح، بينما هو يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود فقال: أصبرني، فقال: (اصطبر)، قال: إن عليك قميصاً وليس علي قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه، وجعل يقبل كشحه قال: إنما أردت هذا يا رسول الله. رواه أبو داود. وكان يمازح للمواساة. ففي رواية لأحمد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة يكنى: أبا عمير، وكان يمازحه فدخل عليه فرآه حزيناً فقال:(مالي أرى أبا عمير حزيناً ؟ فقالوا: مات نغره الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: أبا عمير ما فعل النغير) رواه أحمد.وكان يمازح من أجل التربية.وفيه أن خوات بن جبير الأنصاري كان جالساً إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة فطلع عليه رسول الله فقال: (يا أبا عبد الله مالك مع النسوة؟) فقال: يفتلن ضفيراً لجمل لي شرود، فمضى رسول الله لحاجته ثم عاد فقال:(يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟) قال خوات: فاستحيت وسكت، فكنت بعد ذلك أتفررمنه حتى قدمت المدينة فرآني في المسجد يوماً أصلي فجلس إلي فطولت فقال:(لا تطول فإني أنتظرك)، فلما سلمت، قال:(يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟)فسكت واستحيت فقام، وكنت بعد ذلك أتفرر منه حتى لحقني يوماً وهو على حمار وقد جعل رجليه في شق واحد. فقال:(يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟) فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت فقال:(الله أكبر، الله أكبر، اللهم اهد أبا عبد الله). قال: فحسن إسلامه وهداه الله.{ الطبراني} .وروى الطبراني في الأوسط أن امرأة عجوز دخلت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله لي أن يدخلني الجنة فقال:(إن الجنة لا تدخلها عجوز). ثم ذهب للصلاة فلما رجع قالت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لقد وجدت العجوز من كلامك شدة ومشقة، فقال:(إن الله يرجعهن أبكاراً)..وكان صلى الله عليه وسلم يمازح أهله من زوجة وأولاد يقول صلى الله عليه وسلم:(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).خرج من بعض أسفاره ومعه عائشة فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: (تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني. حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا ثم قالي لي: تعالى أسابقك فسابقته، فسبقني فجعل يضحك ويقول: هذه بتلك).رواه أحمد. وروى الشيخان في حديث عائشة قالت: (والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، ورسول الله يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو)رواه مسلم ونحوه في البخاري.ويروي الحاكم من حديث عمرة قالت سألت عائشة كيف كان رسول الله إذا خلا مع نسائه، قالت: كالرجل من رجالكم إلا أنه كان أكرم الناس وألين الناس ضحاكاً وبساماً. وروى الإمام أحمد بإسناد حسن أنه كان رسول الله يصفّ عبد الله وعبيد الله وكثيراً بني العباس ثم يقول:(من سبق إلي فله كذا. قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم)رواه أحمد في مسنده .وقالت عائشة كان عندي رسول الله وسودة فصنعت حريرة وجئت بها فقلت لسودة: كلي. فقالت: لا أحبه فقلت: والله لتأكلين أو لألطخن به وجهك. فقالت: ما أنا بذائقته، فأخذتُ بيدي في الصحفة شيئاً منه فلطخت به وجهها، ورسول الله جالس بيني وبينها، فخفض لها رسول الله ركبتيه لتستقيد مني، فتناولتْ من الصحفة شيئاً، فمسحت بها وجهي، ورسول الله يضحك" [رواه أبو يعلى بإسناد جيد].وأخرج أبو يعلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبي لسانه فيهش له. وماله لا يضحك عليه الصلاة والسلام ودينه رحمة، ومنهجه سعادة، ودستوره فلاح.لقد عشنا معه عليه الصلاة والسلام في مواطن التأثر باكياً، تدمع عيناه وينجرح فؤاده، ونعيش معه اليوم وهو يهشّ للدعابة، ويضحك للطرفة، ويتفاعل مع أصحابه في مجريات أمورهم وأحاديثهم. إن مدرسة التصوف تملي على منسوبيها ألا يضحكوا، يقول أحدهم: ما ضحكت منذ أربعين سنة. لكن الإمام الأعظم، والقائد الأكمل يضحك في مواطن من حياته.وضحكه ، له مقاصد، ضحك نافع، يربى بالبسمة، ويدرّس بالضحك، ويعلم بالمزحة. والصحابة رضي الله عنهم كانوا أكثر الناس جداً وأقلهم غفلة، ومع ذلك كانوا يتمازحون.روى البخاري في الأدب المفرد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتبادحون بالبطيخ فإذا جد الجد كانوا هم الرجال"وقيل لابن سيرين هل كانوا يتمازحون؟: قال: ما كانوا إلا كالناس". فهذا عبد الله بن عمر يمازح مولاة له فيقول لها: خلقتي خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام. فتغضب وتصيح وتبكي، ويضحك عبد الله بن عمر.وممن عرف بالمزاح من الصحابة نعيمان بن عمرو، وكان لا يدخل المدينة طُرفة، أو فاكهة، إلا اشترى منها، وأكل بعضها، وأهدى الباقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء صاحبها يطلب ثمنها من نُعيمان أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أعط هذا ثمن متاعه!! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أولم تهده لي؟) فيقول: نعم، ولكن، والله ليس عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله. فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ويأمر لصاحبه بالثمن.ومن نوادره: أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأناخ ناقته بفنائه، وكانت فتية سمينة، فقال بعض أصحاب نُعيمان: لو عقرتها فأكلناها. فإنا قد قرمنا إلى اللحم. فقام نُعيمان وعقر الناقة.فخرج الأعرابي من عند النبي صلى الله عليه وسلم ووجد ناقته تُسلخ، ونُعيمان يتولى توزيع لحمها. فصاح: يا محمد، واعقراه: واناقتاه.فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:(من فعل هذا؟) فقالوا: النُعيمان. فأتبعه يسأل عنه، حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. واستخفى تحت سرب (دكة تكون خارج الغرفة) فوقه جريد.فأشار بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانه: فأمر بإخراجه. وقال له: (ما حملك على ما صنعت؟).قال: الذين دلوك عليّ يا رسول الله، هم الذين قَرِموا إلى اللحم، وأمروني بعقر الناقة.فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يمسح التراب عن وجهه، ثم غرم ثمنها للأعرابي.إخوة الإيمان، كما سمعتم فإن ديننا لا يحرم المزاح والمداعبة، وإنما يجعل له ضوابط تجعله لا يخرج من المتعة إلى الإفساد. وقطع الصلات وحصول الآثام. ومن ضوابط المزاح التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أن المزاح لا يكون إلا بالحق. ولذلك إذا تأملت الأحاديث التي ذكرناها في مزاح النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه تجد كل ما كان يمزح به النبي صلى الله عليه وسلم كلمات ليس فيها كذب. كقوله: (إنا حاملوك على ولد الناقة) وما ولد الناقة: إنه الجمل. وقوله لأنس: (يا ذا الأذنين). فأنس له أذنان، وكل الناس كذلك.وهكذا يكون المزاح بغير كذب أو افتراء. وكم يحدث اليوم من الكذب في اختراع قصص وحكايات لا أصل لها ولا صحة لها لأجل إضحاك الناس، وقد صح الحديث بالتهديد للذي يفعل ذلك عن النبي حيث ورد عند أبي داود والترمذي أن رسول الله قال: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له). كذلك من ضوابط المزاح الشرعية أن لا يكون فيما يتعلق بالدين كالمزاح بالآيات أو الأحاديث أو الثوابت الشرعية التي لا يجوز المساس بها. وهذا للأسف قد حصل من بعض الناس هداهم الله. فقد وجد في أيامنا هذه ما تسمى بالنكات أو الطرف حول الملائكة والأنبياء أو القرآن والأحاديث. وهذا عباد الله من أخطر ما يكون، حيث إن هذا الفعل كفر مخرج من الملة عياذاً بالله. فقد حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً للقتال تكلم بعض المنافقين بكلام زعموا أنه لعب ومزاح فأنزل الله فيهم قرآناً يتلى. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى:" قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ" [التوبة:65]. قال أبو معشر المديني: عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. فقال:" قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ" [التوبة:65-66]. وإن رجليه لتسفعان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهكذا يتبين أن المزاح والاستهزاء بشرع الله كفر لا يجوز فعله.
ومن ضوابط المزاح في الإسلام ألا يكون فيه إيذاء للغير سواء كان إيذاءً بدنياً أو شعورياً. قال تعالى:" يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ". فهذه الأمورفيها إيذاء شعوري للمؤمنين وقد يصل إلى الإيذاء البدني، فحرمها الله منعاً لذلك.واليوم تكثر التجاوزات في هذا الجانب بحجة المزاح، فتجد البعض ما إن يعلم أن أخاه يغضب من شيء معين حتى يكثر المزاح معه فيما يغضبه قاصداً إغضابه. وهذا كما سمعتم أمر محرم ولا يجوز. وقد يسبب المزاح شيئاً من الضغينة فيكون مذموماً، قال عمر بن عبد العزيز: "اتقوا الله وإياكم المزاح فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح، فحدثوا بالقرآن وتجالسوا به، فإن ثقل عليكم فحديث حسن من حديث الرجال". كذلك من ضوابط المزاح الشرعية ألا يكثر منه الإنسان. فإن الإكثار من المزاح يسقط الهيبة ويوقع في الخطأ و لابد. والمتأمل لسيرة رسول الله يجد أنه كان يمزح أحياناً ولا يكثر منه. فلا ينبغي للإنسان أن يكثر منه المزاح حتى يعرف بذلك. قال عمر رضي الله عنه: "من مزح استخف به". ويصبح المزاح حراماً إذا صاحبه مخالفة شرعية، كأن يتسبب في ترويع المسلم.وفيه أن أصحاب رسول الله كانوا يسيرون مع رسول الله في مسير فنام رجل منه فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال: ما يضحككم فقالوا: لا، إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع فقال رسول الله :(لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) أحمد.أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه...
الحمد لله ...أيها الناس: الإنسان، الذي يحرّم على نفسه وأطفاله وأهله البسمة والضحكة، معتذراً بمشاغل الحياة وآلام الدهر، نقول له: إن من كان يحمل هموم البشرية كلها، ويحمل رسالة أبت السماوات والأرض والجبال حملها، محمد عليه الصلاة والسلام، كان يضحك.روى الترمذي، وأبو داود، بأسانيد صحيحة، عن علي بن ربيعة قال: شهدت علياً، وأتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: (بسم الله)، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: "سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون" [الزخرف:13-14]. ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء ضحكت؟ قال: (إن ربك يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلمُ أنه لا يغفر الذنوب غيري).فالرسول يضحك لأن هذه الأمة تعرف ربها، وتتوجه إليه بالدعاء ليغفر ذنوبها، فيضحك النبي رحمةً لهذه الأمة، وفرحاً لأن الله – عز وجل – يغفر الذنوب لكل من استغفر وتاب.ويضحك. أيضاً وكما في صحيح مسلم، فقد روى أبو هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام، أن آخر أهل الجنة دخولاً الجنة رجل مقبل بوجهه إلى النار فيقول: أي رب، اصرف وجهي عن النار، فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيدعوا الله ما شاء الله أن يدعوه، ثم يقول الله تبارك وتعالى: هل عسيت إن فعلت ذلك أن تسأل غيره، فيقول لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله، فيصرف الله وجه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب، قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك، لا تسألني غير الذي أعطيتك، ويلك: ابن آدم ما أغدرك!.فيقول: أي رب، ويدعو الله حتى يقول له: فهل عسيت أن أعطيك ذلك أن تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك، يعطي ربه ما شاء الله من عهود ومواثيق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام على باب الجنة، انفهقت له الجنة، فرأى ما فيها من الخير والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب، أدخلني الجنة فيقول الله تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت، ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك! فيقول: أي رب، لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله، حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه فإذا ضحك الله منه، قال: أدخل الجنة، فإذا دخلها، قال الله له: تمنّه، فيسأل ربه ويتمنى حتى إن الله ليذكّره من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني، قال الله تعالى: ذلك لك ومثله معه.قال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله، قوله: ذلك لك عشرة أمثاله.قال ابن مسعود: لقد رأيت رسول الله ، ضحك حتى بدت نواجذه.ويضحك الرسول أيضاً يأتيه حبر من أحبار يهود فيقول له: يا أبا القاسم إن الله يمسك السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر والثرى على إصبع والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، أنا الملك، فضحك رسول الله تعجباً مما قال الحبر، تصديقاً له، ثم قرأ: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عمار يشركون وإنما ضحك عليه الصلاة والسام لأمور: منها: أن القرآن صدق ما قاله هذا الحبر من أمور القيامة.ومنها: أن اليهود يعلمون صدق النبي وصدق ما أخبر به، ثم يكذبون على الله، ويكذبون رسوله .ومنها: التعجب من قدرة الباري تبارك وتعالى.ومنها: أن العبد مهما بلغت عبوديته لله تعالى، فإنه لا يستطيع أن يوفي الله – عز وجل – حقه، وغير ذلك من المعاني.هذه وقفات، رأينا فيها رسولنا ضاحكاً، والضحك في حياته كان له مغزى وهدف، لا كضحك السفهاء الفارغين، الذين يعيشون على هامش الحياة، ولكنه ضحك المعلم الحكيم، الذي يريد الناس إلى الخير، ولو عن طريق الضحكة والبسمة.يذهب النبي فيدخل على أم حرام بنت مِلحان فتطعمه، فدخل عليها رسول الله ، يوماً فأطعمته، ثم جلست تغلي رأسه، فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي، عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج البحر، ملوكاً على الأسِرّة، أو مثل الملوك على الأسرة). يضحك النبي من ذلك لأنه رأى البشرى، رأى تلامذته وأتباعه وكتيبته، سيركبون البحار والمحيطات؛ غزاة في سبيل الله، ينشرون لا إله إلا الله في الآفاق، ويعبرون بها حدود الزمان والمكان.يضحك لأن الإسلام سوف ينتشر ويظهر، وينفذ إلى القفار والصحاري، ويصل إلى عباد البقر والشجر والنار والطوطم والصنم.فقالت المرأة: يا رسول الله، ادع الله أن يجعني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك قالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله)، كما قال في الأولى قالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: (أنت من الأولين).فركبت أم حرام بن ملحان البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فماتت وهي تجاهد في سبيل الله، فكانت شهيدة، ودفنت هناك في أرض غريبة.هذه مواطن نعيشها مع إمامنا ، حتى يعرف الناس، أن من صفحاته عليه الصلاة والسلام، صفحة؛ فيها الضحك، وفيها الدعابة، وفيها المزاح، ومسامرة الأهل وملاطفة الناس.وهذه الصفحة لابد أن يعرفها الناس، وأن يتكلم عنها العلماء والدعاة حتى تعرف البشرية أن في ديننا فسحة.وخير ختام لهذا الموضوع ،هذا الحديث الشامل لما يجب ان يكون عليه خلق المسلم: روى أبو داود عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم توفَّنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين .اللهم احشرنا يوم القيامة في زمرة نبينا محمد وتحت لواء نبينا محمد آمين.ألا وصلوا على المبعوث رحمةً للعالمين امتثالاً لأمر بكم في سورة الأحزاب.{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [الأحزاب:56], اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذ. محمد الجابري
جمعة 21 ربيع الأول 1427 / 19 ماي 2006
مسجد الرحمن ـ دبيلت / هولندا