إنه لا صلاح للأبناء والبنات إلا بالله، ولا يهدي قلوبهم أحدٌ سواه، فاصدعوا إلى ربكم بالدعوات، ما أحوج بناتك وأبنائك إلى دعواتك الصالحة، سلوا الله للأبناء والبنات الصلاح.وهذا الصلاح للأبناء والبنات يكون أول ما يكون منك، يكون من حركاتك وسكناتك، يكون من أقوالك وأفعالك، يوم ينشأ الابن وتنشأ البنت في أحضان أب يخاف الله، وفي أحضان أم تخشى الله.صلاح الأبناء والبنات يقوم أول ما يقوم على قدوة صالحة من الآباء والأمهات،
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة .تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. إن أحسن الحديث كتاب الله،وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار،عليكم بالجماعة عباد الله فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، وعليكم بلزوم تقوى الله؛ فإن بالتقوى درجتكم عند لقاء ربكم،فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
إخوة الاسلام : إن الله تبارك وتعالى قد خلقنا جميعاً مقصرين .وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون).والمسلمون تجاه معاصيهم ثلاثة أقسام: قسم غلب عليهم جانب اليأس والقنوط من رحمة الله، فهم خائفون من عذاب الله وعقابه ولا يحفظون إلاّ آيات العذاب والحساب، ولا يلقون بالاً إلى سعة رحمة الله التي سبقت غضبه، وهؤلاء كلامهم كله تخويف، ويأس من رحمة الله، ولكن هذا القسم قليل وقليل جداً.أما القسم الثاني فهم الذين غفلوا جانب الخوف من الله وتعلقوا بجانب الرجاء والرحمة وهم في الحقيقة لا يجهلون عقاب الله ولا محرماته التي نهى عن انتهاكها ولا واجباته التي أمر بها، ولكنهم لا يحفظون إلا إجابة واحدة هي قولهم: إن الله غفور رحيم، يجيبون بها كل من أمرهم بواجب قصروا فيه أو محرم وقعوا فيه، وذلك لأنهم غرقوا في المعاصي، فصارت جزءًا لا يتجزأ منهم، حتى إن بعضهم يضيق بالموعظة لأن ذلك عقبة أمام حصول ملذاته و شهواته.وهذا القسم يشمل كثيراً من المسلمين الذين اغتروا بكثرتهم، فتجد أحدهم لا يريد تغيير واقعه، لأن أكثر الناس يفعلون مثل فعله، وصدق الله إذ يقول:" وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ" [الرعد:1]، "وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" [الأعراف:187]، وقال تعالى: "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ " [الأنعام:116].وأما القسم الثالث فهم الذين يصدق عليهم قول الرسول :(ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) ، ويصدق عليهم قول الله تعالى: " وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " [آل عمران:135].فهم المؤمنون حقاً الذين يرجون رحمة الله، و يخافون عذابه فلا يصرون على معصية، بل يبادرون بالتوبة قبل أن يباغتهم هادم اللذات.
عباد الله ،جعل الله جل ثناؤه في كتابه الكريم قصصًا كثيرة يُربي بها المسلمين المؤمنين. وكان رسول الله يسلك في دعوته للناس نفس منهج القرآن،فكانت أساليبه متنوعة ،وطريقة عرضه للدعوة أو الموعظة طريقة تربوية جذابة تأخذ بالنفوس وتسيطر على القلوب .كان رسول الله يذكر لأمته من قصص الأمم السابقة ما يكون فيه عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وفي الحياة أيضا قصص تمرعلى عباد الله.أحداثٌ وتجارب جعلها الله عبرة وعظة لا يعتبر منها إلا المؤمن الواعي الذي يسمع بقلبه قبل أُذنِه ..وحديثي اليوم قصةٌ وعبرة.
المكان مسجد الرسول بالمدينة المنورة ،وقد امتلأ بطلبة العلم حتى لم يبق فيه مكان, ينتظرون شيخهم ومعلمهم وقد تأخر على غيرعادته, وبينما هم كذلك إذا هو قادم، عليه وقارُ الصالحين,رؤيته تذكرك بذكر الله رب العالمين, جلس بينهم, ثم أطرق إلى الأرض مفكرًا ثم رفع رأسه وقال:ا أبنائي الأعزاء، ظللت طول عمري أعلمكم وأفقهكم أمور دينكم,أما اليوم فسأحدثكم عن شيخكم الماثل أمامكم. لقد كنت في العراق وأنا في ريعان شبابي رئيس حرس الأسواق, وكنت أُراقب حركة الأسعار والتجار, وكنت فظًا غليظ القلب لا يحبني أحد ولا أحترم أحدًا.. وبينما أنا أجول في السوق إذا بي أرى رجلاً من التجار طويل القامة,عريض المنكبين, قد لبس الحرير وأسبل عمامته. تفوح منه رائحة الطيب, وحلى أصبعه بخاتم ضخم, وبين يديه رجلٌ فقير قد جثا على ركبتيه يتوسلُ ويتضرع ويبكي, ثيابه ممزقة لا تكادُ تستر جسمه, نحيل الجسم, أصفر الوجه, مُشقق اليد من التعب وهو يقول: يا مولاي لماذا أخذت مني سبعة دراهم وهي محصلة يومي وتعبي, ردها عليّ, إنني أحتاج إليها هذه الليلة, ففيها عشاءُ بُنياتي, فإن أخذتها مني سيبات بُنياتي طاويات من الجوع في هذا البرد الذي لا يرحم, رُدَ علي دراهمي يرحمك الله, يُخلفك الله خيرا منها. أمهلني..وكلما تذلل المسكين بين يديه شمخَ الغنيُ بأنفهِ ورفعَ رأسه إلى السماء وكأنه يُكلم جدارًا أو حجرًا لا إنسانًا فيه قلبٌ وروح. تأثرت بهذا المنظر فجئت إلى الغني وقلت: ما شأنك وهذا؟ فقال: وماذا يحشرك أنت فيما بيننا؟ انصرف إنك لا تعرف هذا, إنه مكارٌ خبيث, أقرضته منذ سنة سبعة دراهم وهو يفر مني كلما رآني حتى قابلته اليوم بالسوق, فأخذتها منه. فقلت له: سبعة دراهم وأنت قد أغناك الله, ردها عليه, فلما قلتُ له ذلك أبى وتكبر وطغى,فصفعته صفعة طنت لها أذناه, وانقدحت لها عيناه ثم أدخلت يدي في جيبه وأخرجت الدراهم ووضعتُها في يد الفقير, فقلت له: انطلق. فانطلق فرحًا يلتفت يجري,فقلت له يا هذا إذا تعشت بُنياتك هذه الليلة فقل لهُن يدعونَ لمالك بن دينار.فلما أصبح الصباح وبينما أنا في السوق أحسست في قلبي أن الله قد قذف فيه حُب الزواج .فأخذت أعرض نفسي على الناس ولكن من يُزوجُني؟ فأنا الفظ الغليظ مُدمن الخمر لا يرغب بي أحد. فلما طردني الناس ذهبتُ إلى سوق الجواري فاشتريت جاريةً مسلمةً مؤمنة ثم أعتقتها وجعلت عتقها مهرها, ثم تزوجتها, فكانت نعم المرأة عارفة لربها مُطيعة لزوجها, كنت أرى فيها الخير والبركة من يوم أن حلَّت بداري, فقد تركت الخمر, وأقبلت على الصلاة والذكر والطاعة وأخذت أستغفر الله ورق قلبي ولان, وأصبحت أحب الخير والدعوة للخير, ورزقني الله منها بُنية صغيرة كنتُ أرى فيها سعادة الدنيا .تلعب أمامي في الدار وتتلقاني إذا جئت وتنام بجواري في الليل وتلاعبني وألاعبها, فأقضي أوقاتي معها في الدار. وبينما أنا كذلك ذات يوم, وهي تلعب بين يدي إذ سقطت في حجري ميتة .لا أدري ماذا حدث؟ فاضت روحها وأنا أنظر إليها فكاد قلبي أن ينخلع من مكانه وصرخت: بُنيتي قرة عيني ماتت؟ فحملُتها وقد تدلت رقبتها على يدي, وأخذتُ أذهب في البيت فاستقبلتني أمها تسألني ما الذي حدث للبنية؟ فقلت: لا أدري تلعب بين يدي فخرت ميتة, فجلست أنا وأمها نبكي.وكلما التفت في الدار بعد أن دفنتُها وصليت عليها وجدت ذكراها, هذه ألعابها, وتلك ملابسها. إذا جاء الطعام تذكرتها, وإذا جاء المنام تذكرتها حتى أخذ مني الحزن كل مأخذ فأصبحت لا أشتهي الطعام والشراب.وإذا جاء الليل وما أدراك ما الليل أظل أراقب نجومه حتى أنام من الإعياء والتعب.وذات ليلة ـ ولما بلغ مني الحزن كل مبلغ, ودب إلي اليأس، قلت: لأشربن هذه الليلة حتى أموت, فأحضرت الشراب وجلستُ أشرب حتى سقطت على الأرض صريعًا لا أدري كيف ولا أدري متى.وبينما أنا في ذنبي ومعصيتي لم أرض بقضاء الله ـ ولكن الله أرحم الراحمين ـ إذا بي أرى في المنام كأن القيامة قد قامت, وكأن الأرض قد تشققت عن العباد كالجراد المنتشر, يشارك في هول يوم القيامة كل شيء : السماء تنفطر, الجبال تُدمر, الخلائق تجري, وأنا أجري أحس بلهيب خلف ظهري, فلما التفتُ إذا بي أرى ثعبانًا ينفث خلفي نارًا, يجري خلفي, إلى أين المهرب؟ إلى من أفر؟ وأنا أجري في عرصات يوم القيامة, والثعبان خلفي وأنا ألهث من التعب, وإذا بي أجدُ جبلاً وحيدًا يعترض طريقي, وفي الجبل شرفات وفتحات تطل منهن بُنيات, فلما رأينني صرخن: يا فاطمة أدركي أباكِ, يا فاطمة أدركي أباكِ, فإذا بُنيتي الصغيرة تطل من شرفةٍ في الجبل فتراني فتقول: أبي ثم أشارت إلى الثُعبان فوقف, فمدت يدها إليّ وأصعد تني عندها, ثم جلست بين يدي وهي تقول: يا أبتاه: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" [الحديد: 16] وتكررها. واستيقظت من نومي وكأني أسمع صوتها يتردد, وإذا بي أسمع آذان الفجر "حي على الصلاة ـ حي على الفلاح" فأفقت واستغفرت وتبت إلى الله , وحمدت الله أن أحياني من جديد ثم ذهبت واغتسلت وتوضأت ثم ذهبتُ إلى المسجد الجامع, أُصلي خلف الإمام الشافعي. وإذا به في الصلاة يقرأ قول الله تعالى: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق فانتفض قلبي وفاضت عيناي, وكأنني أنا الوحيد المعني بهذه الآية وأنا المخاطب بها وذلك من رحمة الله, فاستحييت من الله حق الحياء..فلما انتهت الصلاة واستدار الإمام الشافعي إذا به يُفسر قوله تعالى: ألم يأن للذين آمنوا ,وإذا به يقول: عباد الله إنا الله يستحثنا إلى التوبة. فهو يقول: ألم يأن وهي مشتقة من الآن فكأنه يقول: الآن, الآن توبوا قبل أن تفوت هذه اللحظة فيندم الإنسان, الآن الآن إلى التوبة, إلى ذكر الله إلى الخشوع. فتبتُ إلى الله, واستغفرت لذنبي وتجلت عندي رحمة الله الذي لم يأخذني بمعصيتي فأمهلني حتى تُبتُ وأنبت وذهبتُ إلى زوجتي, وقلتُ لها: هيا بنا نشد الرحال لمدينة رسول الله أطلبُ فيها العلم, فوفقني الله إلى كثير منه وعوضني الله خيرًا من بُنيتي, عوضني أبناء المسلمين يشدون إليَّ الرحال من مشارق الأرض ومغاربها يجلسون بين يدي طول النهار وزلفًا من الليل يطلبون العلم, فحمدت الله تبارك وتعالى على نعمته :" فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا [النساء: 19], فكم من الخير جعله الله في طيات هذا البلاء. عباد الله، إننا في حياتنا نتعرض للمصاب في حبيب أو عزيز أو في غالٍ أو نفيس, ولكن إن رضينا فلنا الرضا, وإن سخطنا فعلينا السخط, والله هو الغني الحميد. يقول الإمام ابن القيم رحمة الله عليه: "يا ابن آدم إن الله إذا ابتلاك شكوت من يرحم إلى من لا يرحم, شكوت ربك إلى العبد, يا ابن آدم, أما ترى كيف يغذي الله الجنين في بطن أمه عن طريق واحد حبل السُرة, فإذا ولد الجنين وانقطع الطريق خلفه بطريقين لبنًا سائغًا عامين كاملين, فإذا انقطع الطريقان وجف اللبن خلفه الله بأربع طُرق, فإذا توفي وانقطعت الطُرق الأربعة وكان من الصالحين خلفه الله طرقًا ثمانية أبواب الجنة يدخلها من أي باب شاء, يا ابن آدم, هكذا الله حكم عدل رءوف ودود, فما ابتلاك إلا ليُعافيك, وما أمرضك إلا ليشفيك, وما أخذ منك إلا ليُعطيك, ويحك يا ابن آدم تشكو ربك.. تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.." اللهم ارحمنا وأسعدنا بتقواك ولا تشقنا بمعصيتك ،وانصرنا على أنفسنا يا رب العالمين ..ادعوا الله عسى أن تكون ساعة استجابة.
الحمد لله، في كتاب” قصص من التاريخ” لفضيلة الشيخ علي الطنطاوي،هذه القصة الثانية من حديثنا لهذه الجمعة... نادى مناد الجهاد واجتمع الجيش, والجندي المسلم ليس كالجندي العربي اليوم للأسف الشديد ،فهو لا يحتاج إلى مئونة لأنه قنوع معه التمر, وزاده معه, ولا يحتاج إلى ميزانية سلاح, فهو دائمًا مستعدٍ للجهاد ولا يحتاج إلى لباس, فأي شيء يستر عورته يرضى به الجندي المسلم, فيوفر بذلك الميزانيات الهائلة على وزارات الدفاع ينطلق هذا الرجل المؤمن لما سمع نداء الجهاد وتتشبث به امرأته ودموعها تنحدر, إلى أين أنت ذاهب؟ قال: أما تسمعين نداء الله: حي على الجهاد, فوا لله لو كنت حبيبة إلى نفسي فإن الله أحب, قالت: فماذا أفعل بما في أحشائي, ابنك هذا, قال: تركت لك ثلاثين ألف دينار, افعلي بها ما شئت في تربيته, قالت: ومتى تعود؟ قال: لا أدري سأسيحُ في الأرض ولعلي أبلغ حدود الهند والسند وبيننا وبينهم ألاف الأميال, فإن عُدت فذلك الخير, وإن متُ فتلك الشهادة, ألتقي معك إن شاء الله في جنات الخلود.وينطلق الرجل ويغيب السنين الطوال ويعود بعد السنين مُحملاً بالغنائم ما خفَ حمله وغلا ثمنه, يدخل مدينة النبي , ولما كان من السُّنة أنهم إذا جاءوا من سفر دخلوا المسجد أولا فصلوا فيه ركعتين ثم سلموا على الحبيب وكانوا يتمهلون قليلاً في المسجد حتى يوصلوا أخبارهم إلى زوجاتهم, فتستعد المرأة لاستقبال زوجها, يقول بينما أنا جالس في المسجد وإذا شاب في ريعان الشباب يدخل المسجد ما رأيت أجمل منه, ولا أبهى منه, فلما دخل انطلق الناس نصفين احترامًا ووقارًا, ثم جلس على كُرسيه وأخذ يُحدثهم من المغرب إلى العشاء حتى أنساني أهلي, جلستُ أستمع وكأن الدُرَ الرطبَ يتناثُر من فمه, فدار في نفسي شيء, فقلت: ليت لي ابنًا مثله, ولكني احتسبت أيام جهادي في سبيل الله, ولعل الله يخلفني بما أديت في سبيله, فلما أذن العشاء وصليت العشاء ذهبت إلى داري ودفعت الباب ودخلت وكان المصباح خافتًا فإذا بي أجدُ زوجتي, وبجوارها فتىً, فامتشقت السيف فالتفتت إليّ فعرفتني وقالت: على مهلك لا تستعجل, وقالت: قم يا بُني واستقبل أباك. فلما اقترب مني ونظرت إلى وجهه إذا به الفتى الذي كان يحدّث الناس, قلت: من أنت؟ قال: يا أبتاه أنا ربيعة الرأي إمام المدينة, أفتي فيها ولم يبلغ عمري سبعة عشرعامًا.حفظ القرآن كله والحديث وأقوال العلماء والفقهاء, عالم زمانه وعصره.عجبًا، من أي شيء تعجب, يغيب هذه السنين الطويلة, من الذي خلفه في أهله؟ إنه الله. إذا خرج المسافر ماذا يقول: (اللهم أنت الخليفة في الأهل, والصاحب في السفر, اللهم إني أعوذ بك من وعثاءِ السفر وكآبة المنظر, وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد).أم تعجب من صبر الأم طوال هذه السنين بلا زوج, لا تشتكي, وتحتسب وقتها كُله جهادًا في سبيل الله, أم أنه حُسن تدبيرها في تربية ابنها, ولو كانت غيرها لأخذت الثلاثين ألفًا هذه وأنفقتها على شراء الذهب والطعام والهدايا أو التجوال في الأسواق؟ أم تعجب من هذا الابن الذي جمع هذا العلم مع أنه لم يجد أبًا يربيه وهو في أحضان أمه؟!!وصدق من قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيبًا الأعراق.
عباد الله: صلاح الأبناء والبنات أمنية الآباء والأمهات، يا لها من نعمةٍ عظيمةٍ، يوم تمسي وتصبح، وقد أقرّ الله عينيك بالذرية الصالحة، ذرية تخاف الله، ذرية تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة. قال الله عن عبده الخليل عليه الصلاة والسلام: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء [إبراهيم:40]. وقال الله عن نبيه زكرياً:" رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء" [آل عمران:8]. فقل كما قال عباد الله الأبرار: " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً " [الفرقان:74]. إنه لا صلاح للأبناء والبنات إلا بالله، ولا يهدي قلوبهم أحدٌ سواه، فاصدعوا إلى ربكم بالدعوات، ما أحوج بناتك وأبنائك إلى دعواتك الصالحة، سلوا الله للأبناء والبنات الصلاح، سلوا لهم الخير، والسداد، والفلاح.وهذا الصلاح للأبناء والبنات يكون أول ما يكون منك، يكون من حركاتك وسكناتك، يكون من أقوالك وأفعالك، يوم ينشأ الابن وتنشأ البنت في أحضان أب يخاف الله، وفي أحضان أم تخشى الله.صلاح الأبناء والبنات يقوم أول ما يقوم على قدوة صالحة من الآباء والأمهات، إن رآك ابنك تخاف الله خافه، وإن رآك ابنك تخشى الله عظمه وهابه، إن رآك ابنك مع المصلين كان من المصلين. إن رآك ابنك من الأخيار والصالحين كان من الأخيار والصالحين.خذوا بمجامع قلوب أبنائكم إلى الله ، تحدثوا إليهم ، خذوهم بنصيحة مؤثرة وموعظة بليغةٍ تأخذهم إلى محبة الله ومرضاة الله. فكم من نصيحةٍ من أبٍ حنون، وأم مشفقة نفعت الأبناء والبنات طول حياتهم.
اللهم يا مصلح الذريات أصلح ذرياتنا، ، اللهم أصلح شباب المسلمين وشاباتهم يا أرحم الراحمين، اللهم خذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، وألهمهم السداد والهدى. اللهم أحي قلوبنا بطاعتك، واملأها بنورك وهدايتك، اللهم جنبنا الغفلات وموارد الهلكة والحسرات، اللهم زك نفوسنا، وارفع هممنا، واحفظ أوقاتنا من الضياع، وأيامنا من الغفلة، واجعل مقاصدنا في أوقاتنا عظيمة، وأعمالنا فيها صالحة كريمة. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحوُّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. اللهم احفظنا بالإِسلام قياماً، واحفظنا بالإِسلام قعوداً، واحفظنا بالإِسلام رقوداً، ولا تُشمت بنا عدواً ولا حاسداً. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويعاف فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
جمعة:12 شوال 1427 / 03 نونبر 2006
مسجد الرحمن ـ دبيلت ـ هولندا