منطق القرآن الكريم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) غيرما بنفسك يتغير التاريخ ،وهذا ما فعله الأنبياء عليهم السلام، بدءوا بتغيير أنفس الناس وعقولهم وتصحيح عقائدهم وهذا ما فعله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، صب في عروق الصحابة هذا الإيمان الجديد،الإيمان بالله ورسالاته وبالدار الآخرة وبالرسالة العظمى التي يحملونها للبشرية لهداية الناس ونفع الناس.
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صل وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، أما بعد،،،أيها الإخوة المسلمون...حيثما وليت وجهك في أي بلد من بلاد الإسلام وجدت الناس يتحدثون عن أمر مهم، يدعون إليه وينادون به، إنه الإصلاح، الصحف تتحدث عن الإصلاح وأجهزة الإعلام تتحدث عن الإصلاح، العلماء والمعلمون والمربون والمفكرون يتحدثون عن الإصلاح، حوارات وندوات ومؤتمرات تعقد كلها من أجل الإصلاح ؟ ما المراد من الإصلاح الذي ينادي به الجميع؟ حتى الأمريكان الذين يتحكمون في مصائر العالم يطالبوننا بالإصلاح، يدعوننا إلى الإصلاح. لابد إذن أن نعرف ما المراد بالإصلاح الذي ننادي به نحن وينادي به غيرنا،ما هذا الإصلاح؟ وما أهدافه؟ وما شروطه؟ الإصلاح: أن تحول الشيء الفاسد إلى شيء صالح، أو تحول الإنسان الفاسد إلى إنسان صالح، أو المجتمع الفاسد إلى مجتمع صالح، أو الأمة الفاسدة إلى أمة صالحة، هذا هو الإصلاح، ولهذا نحن المسلمين نحب الإصلاح ونكره الإفساد والله عز وجل لا يحب الفساد ولا يحب المفسدين ولا يصلح عمل المفسدين ويعاقب المفسدين وينزل عليهم نقمه حتى إن بني إسرائيل حينما أفسدوا في الأرض مرتين سلط الله عليهم من يقهرهم ويذلهم ويجوس خلال ديارهم وكلما عادوا إلى الإفساد عاد الله عليهم بالعقوبة (وإن عدتم عدنا.الإسلام يكره الفساد والإفساد، والقرآن الكريم لمن يقرأه ويتأمله ذكر أنواعاً من الإفساد، هناك الإفساد السياسي، كذلك الذي قام به فرعون حينما قهر طائفة من رعيته استذلهم وحرمهم حقوقهم الفطرية، {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين} هذا إفساد سياسي، ومثل هذا الإفساد السياسي ما يقوم به بعض الناس من خداع للجماهير، لخدمة السلطة، كالذي يفعله المستأجرون من الصحفيين والإعلاميين الأبواق المستأجرة، كالذي كان يقوم به سحرة فرعون قبل أن يؤمنوا، وقد قال لهم موسى )ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين(،ومن الإفساد السياسي ما يقوم به الاستعمار حينما يدخل بلداً فيذل العباد ويفسد البلاد، كما أشار القرآن إلى ذلك على لسان ملكة سبأ )قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون( وهناك إفساد اقتصادي أشار إليه القرآن كالذي كان يفعله أهل مدين وأصحاب الأيكة، الذين أرسل الله إليهم نبيه شعيب وقال لهم{ أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}، هذا إفساد اقتصادي، أن يتصرف الناس في المال بما لا يتفق مع القيم الأخلاقية والمصلحة الاجتماعية كما قال قوم قارون لقارون{لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) أي لا تبطر بمالك (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض}، لا تبغ الفساد في الأرض بمالك، لا تجعل مالك وسيلة للفساد والإفساد، (لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين).وهناك إفساد أخلاقي كالذي قام به قوم لوط حينما قلبوا الفطرة واتخذوا الذكور محلاً للشهوة وقال لهم الله عز وجل على لسان نبيهم لوط {أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}، هؤلاء الناس الذين أتوا الفاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين، فاستحقوا نقمة الله، قال لهم لوط {أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، قال رب انصرني على القوم المفسدين}، وأي فساد أشد من هذا الفساد.ومن أنواع الفساد الأخلاقي أن يعيش الإنسان بشخصية مزدوجة له وجهان وله لسانان، وجه يقابل به جماعة ووجه آخر يقابل به غيرهم، لسان لهؤلاء ولسان لهؤلاء، مذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء،{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) هذا شأن المنافقين سوس المجتمع (قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.} وهناك فساد اجتماعي، إشاعة فساد ذات البين، تقطيع الروابط بين الناس، كالذين قال الله فيهم {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}،الذي يفسد بين الناس ويحاول أن يقطع ويمزق الروابط التي تجمع خلق الله ،أقارب كانوا أم غير أقارب ،يقول الله عنهم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} هذا فساد اجتماعي ،يعني لا يقتصر ضرره على فرد أوافراد بل يتعدى ذلك إلى الجماعات ويشمل ضرره المجتمع بكامله.الناس إذن يتنادون بالإصلاح في كل مكان، والسر في ذلك هو شعورهم بحالة الخلل والتفكك والتمزق الذي تعانيها مجتمعاتنا وتعانيها أمتنا من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي، من جاكرتا إلى الرباط، الأمة كلها تعاني الفساد، ولهذا هي في حاجة إلى الإصلاح ويجب أن تصلح الأمة من نفسها بدل أن يسعى غيرها إلى إصلاحها، لأنها إذا أصلحت نفسها تصلح نفسها لنفسها لذاتها ولأهدافها، لا لأهداف غيرها. الإصلاح أيها الأخوة أن نعالج أمراضنا المختلفة نعالجها من صيدليتنا لا من صيدليات غيرنا، وبتشخيصنا نحن لا بتشخيص أطباء أجانب لنا، وبوصف الدواء من عندنا لا من عند غيرنا، الإصلاح الذي نبتغيه له أهداف، وله شروط، وله مجالات.أول أهدافه: أن يكون معبراً عن الأمة، عن ذاتية الأمة، أن يجيب عن هذا السؤال الكبير: من نحن؟هل لنا قيمة؟ أنحن أمة على الهامش أم في الصلب؟ أنحن أمة لها رسالة ولها حضارة ولها تاريخ؟ أم نحن أمة دخلاء على هذا العالم؟ يجب أن نجيب عن هذا، فإذا قلنا نحن الأمة الوسط نحن الشهداء على الناس نحن خير أمة أخرجت للناس نحن الأمة الخاتمة نحن أمة الخلود، ترتب على هذا أشياء كثيرة،و إذا أردنا أن نصلح الأمة نصلحها على هذا الأساس، أن نربي في النفوس الاعتزاز بهذه المعاني في الأمة، كما قال سيدنا عمر: نحن كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله. الأمريكان يريدون لنا أن نصلح أنفسنا كما يريدون. الأمريكان يريدون شيئاً يحقق لهم مطامع وأهدافاً، لا يريدون منا أن نكون أمة قوية، أمة لها رسالة، أمة تقف على رأس القافلة، لا يريدون لنا ذلك، إنهم يريدون أمة مستأنسة، يقال لها فتسمع، وتؤمر فتطيع، أمة منزوعة السلاح، مكسورة الجناح، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها ، أمة تسير في ركاب الآخرين، وهل هذا ما نريده نحن لأنفسنا؟ لا، هناك من العلمانيين ومن يسير في ركاب الأمريكان وغيرهم من يريدون الإصلاح ولكنهم يريدون إصلاح الأمة بأن تسير وراء الآخرين شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، يريدون تغييب منابع التدين الإيجابي في الأمة، في التعليم، في التربية، في الإعلام في الثقافة، يريدوننا إنساناً أوروبي أو أمريكاني، وامرأة كذلك تمشي وراء المرأة الغربية في زيها وسلوكها وأفكارها وتقاليدها، هذا ما يريده العلمانيون الذين يغربون الأمة باسم التحديث. صحيح نحن ضعفاء لا نملك ترسانات نووية ولا نملك أسلحة استراتيجية هائلة كما يملك الآخرين ولكننا نملك رسالة سماوية، رسالة روحية، رسالة حضارية لا يملكها أحد سوانا وهذا يورثنا العزة التي يجعلنا نباهي بها وننادي ربنا ونقول:
ومما زادني شرفاً وتيهــاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمد لي نبيـا
أما شروط الإصلاح، فأول شروط الإصلاح أن نتمسك بمرجعيتنا ومرجعيتنا هي الإسلام وشريعة الإسلام عليها نعتمد ومنها نستمد وبها نعتصم {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} وثاني الشروط أن نعتمد الحكمة وأهل الخبرة.وثالث شروط الإصلاح أن نبدأ من الداخل، أن نقود الإنسان من داخله، من عقله من نفسه التي بين جنبيه، لنبدأ بإيقاظ العقول، وإحياء الضمائر وتزكية الأنفس، (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)، غيّر ما بنفسك يتغير التاريخ، هذا منطق القرآن الكريم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، هذا ما فعله الأنبياء عليهم السلام، بدءوا بتغيير أنفس الناس وعقولهم وتصحيح عقائدهم وهذا ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم، صب في عروق الصحابة هذا الإيمان الجديد، الإيمان بالله ورسالاته وبالدار الآخرة وبالرسالة العظمى التي يحملونها للبشرية لهداية الناس ونفع الناس، هذا أمر مهم أن نغير ما بالأنفس قبل كل شيء، لابد من القوانين ولابد من الأنظمة ولابد من اللوائح، ولكن هذه لا قيمة لها، إذا لم يكن هناك ضمائر تراقب هذه الأشياء وترعاها، وإلا أصبح القانون حبراً على ورق، قال أحد القضاة في قضية شهيرة في بريطانيا اتهم فيها وزراء بالرشوة والفساد كتب تقريراً من مئات الصفحات ثم انتهى فيه إلى قول: بلا قانون لا تكون أمة وبلا أخلاق لا يهيمن قانون وبدون إيمان لا توجد أخلاق، الإيمان هو الذي يحمي هذا كله. ثم بعد ذلك لابد لنا أن نسير بمنهج التدرج، إن الله بنى الدنيا في ستة أيام، كان قادراً على أن يبنيها في لحظة ،كن فيكون، ولكن ليعلمنا الأناة والتدرج، التدرج سنة كونية وسنة شرعية، ولذلك لابد أن نتدرج في الإصلاح بشرط أن يكون أمامنا هدف واضح وخطة مرسومة أما أن يقول بعض الناس نتدرج ولا يتدرجون كما قال بعض الحكام إننا نريد أن نطبق الشريعة بالتدريج ولكن مرت عليهم عشرات السنين وهم لا يتدرجون، هذا ليس تدريجاً وإنما هو التمويت لا التدريج،التدرج الحقيقي ما قاله عمر بن عبد العزيز لابنه حينما تولى الخلافة وبدأ يعالج أمور الناس بالرفق والأناة شيئاً فشيئاً ويوماً فيوماً فقال له ابنه عبد الملك – وكان شاباً تقياً مليئاً بالحماس والغيرة – قال له: يا أبت مالي أراك تتباطأ في إنفاذ الأمور فوالله لا أبالي لو غلت بي وبك القدور في سبيل الله، لو قطعنا ووضعنا في القدور وغلت علينا والنار تحتها لا نبالي فقال له يا بني لا تعجل إن الله ذم الخمر في القرآن مرتين ثم حرمها في الثالثة وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه جملة ويكون من وراء ذلك فتنة، أما يسرك أنه لا يأتي على أبيك يوم إلا ويميت فيه بدعة ويحيي سنة؟ هذا هو المهم، أن يميت كل يوم بدعة ويحيي كل يوم سنة، أما أن يقول أتدرج ولا يتدرج، هذا لا يجوز.وهذا ينطبق علينا اليوم ،ولا سيما في هذه البلاد .أنعم الله علينا بنعمة المساجد وبنائها وبنعمة حرية الكلام والعبادة مما يفتقده الكثير من إخواننا الدعاة إلى الله في بلداننا الأصلية وأنعم الله علينا بالمال ،لكننا عوض أن نستفيد من هذه النعم ونسخرها لخدمة الإسلام والمسلمين ،شغلنا أنفسنا بأفكار صغيرة تافهة حول أشياء صغيرة تافهة وأشعلناها حروبا صغيرة تافهة بين الأفراد وبين الجماعات فتفرقت الجهود وتشتتت الأهداف وكانت النتيجة أنه لم يظهر فينا تأثير القرآن ولا عمل السنة ،نسمع الخطب تلو الخطب والمواعظ تلو المواعظ ولا يظهر إصلاح ولا صلاح في أحوالنا.هل سنظل طوال العام نتحدث عن الأخوة في الدين وعن الأخلاق السامية التي جاء بها الإسلام من حسن الظن بالناس وعدم الغيبة والنميمة وقذف المحصنات وآفات اللسان والاشتغال بما لا ينفع؟يجب أن نستيقظ أيها الإخوة من هذه الغفلات وأن نعقد العزم على إصلاح نفوسنا ليصلح الله حالنا. حياتنا كلها محتاجة إلى إصلاح،بدءا من بيوتنا ، أصلح بيتك أولا ، اشتغل بأولادك أولا واعتن بتربيتهم وأعطهم الوقت الكافي عوض الاشتغال بأعمال الناس وبأسرارهم .ثم إذا أردت ووفقك الله إلى العمل على إصلاح حال جماعة من الجماعات أوهيئة من الهيئات فليكن عملك أولا وقبل كل شيء مبنيا على أساس الخبرة والعلم والمعرفة وليس على أساس العصبية والجهالة وإلا تسببت في الفساد أكثر من الإصلاح.وإذا أردت الإصلاح بين الناس فليكن عملك معروفا وقولك معروفا وسعيك معروفا وإلا تسببت في الفساد أكثر من الإصلاح.هذه هي قيم الإسلام ووسائل النجاة وطريق تحصيل الثواب.{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين .} أسأل الله أن ينير لنا الطريق ويهدينا سواء السبيل وأن يصلحنا ويصلح بنا ويهدينا ويهدي بنا ويخرجنا من الظلمات إلى النور إنه سميع قريب، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم وادعوه يستجب لكم.
الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، ورضي الله عمن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد،،، فالنفس الإنسانية هي أساس الإصلاح كله إصلاح الأسر، و إصلاح المجتمعات و إصلاح الأمم و إصلاح العالم كله، إذا صلحت الأنفس صلحت الحياة، البداية وكما قلنا في جمعة سابقة تبدأ من الفرد، إذا لم يصلح الفرد لن يصلح مجتمع، والفرد إنما يصلح بإصلاح داخله، الإنسان لا يقاد من أذنه كما تقاد البهيمة، وإنما يقاد من داخله من عقله، ويقاد من ضميره، لهذا كان إصلاح النفس البشرية هو أساس كل إصلاح وفق السنة الإلهية التي قررها القرآن {إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم }، ووفق ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم [ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. أيها الإخوة المسلمون ،الإسلام دين ودنيا ، وعبادات ومعاملات وسلوك وليس عبادة فقط. والقرآن الكريم وهو دستور المسلمين يتكون من "6236" آية وجملة الآيات التى تتحدث عن العبادات لا تزيد عن "110" آيات أي أن العبادات تمثل جزءا واحدا من "62" جزء من الإسلام ، وتطبيق جزء واحد وترك باقى الأجزاء فهم خاطىء لحقيقة الإسلام. فيجب على المسلم أن يحرص على الصدق وعفة اللسان وطهارة اليد ونقاء النفس والبعد عن أذى الآخرين بالغيبة والنميمة والغش والسرقة والكذب والقتل كما يحرص على أداء الصلاة فى وقتها وإخراج الزكاة فى موعدها وصوم رمضان وحج البيت الحرام. الدين عبادة ومعاملة ولا يصح أن يتعبد المسلم ويسىء معاملة الناس.. كما لا يصح أن يحسن معاملة الناس ولا يصلي ولا يصوم. أتمنى أن يفهم كلامي هذا وأن يكون كل واحد منا حارسا أمينا على دينه لا يدخل عن طريقه عدو من أعداء الإنس والجن إلى ساحة الإسلام.. فإذا فعل المسلم ذلك لقي الله عز وجل ولسانه يقول : يارب لقد قدمت لدينى شيئا نافعا. وكل عمل حلال يؤديه المسلم فى دنياه يبتغي به مرضاة الله ينال الأجر والثواب عليه فى الدنيا والآخرة.اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم كن لنا ولا تكن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى إلينا وانصرنا على من بغى علينا. اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. اللهم أصلح أمة محمد وارحم أمة محمد وانصر أمة محمد واجمع كلمة أمة محمد، اللهم اجمع كلمتها على الهدى وقلوبها على التقى ونفوسها على المحبة وعزائمها على عمل الخير وخير العمل.عباد الله، يقول الله تبارك تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
جمعة 26 صفر 1428 /16 مارس 2007
مسجد الرحمن / دبيلت ـ هولندا