12022024الإثنين
Last updateالجمعة, 17 تشرين2 2023 8pm

خطب ومحاضرات

الابتلاء بالمرض وعموم البلوى

الابتلاء بالمرض

كم هو قبيحٌ أن يتمظهر الإنسانُ بغير حقيقته، ويدعيَ ما ليس له، ويضعَ نفسه فوق قدرِها.ويا عجبًا للإنسان! ما أظلمه لنفسه وما أجهله! كيف ينسى ضعفه ؟! وكيف يغترُّ بقوته التي يرى منها في نفسه ما لا يراه في الناس من حوله ؟! ويقول قائل: ليس غريبا أن يكون حال الإنسان في الرخاء والصحة،هو غير حاله في الشدة والمرض، فمن الطبيعي جدًا أن يكون إقباله على الله في شدته وضرائه أكثرَ منه في صحّتِه ورخائه ،يقول الله عز وجل: "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة.يخلق ما يشاء.وهو العليم القدير."{الروم.54 }

.نعم إخوة الإيمان ،خُلقنا ضِعافًا، وسنموت كما خُلقنا ضعافًا؛ لأن نفوسَنا طُبعتْ على الضعف. ولهذا الضعف صور مختلفة، تتقاسمُها الأجسادُ والنفوسُ، فالأجسادُ ضعيفة تعترضُها الأمراض، فإن أخطأتها لم يُخطئها ضَعفُ الهَرَم والشيب، يردها إلى أرذلِ العمر،والنفوس ضعيفة تصيبها الغفلةٌ أوالفتور أو يمسُّها طائف من الشيطان يغويها ويسوِّل لها، فالإنسان مُطوَّقٌ بالضعف من كل جانب،ومعرض إلى أسباب الضعف في كل وقت وحين. وأمام هذا العجز والضعف وحاجة الإنسان وفقرِه ،تتجلّى عظمة الخالق وقوتُه وغناهُ. وما أجدرَ أن يذكِّرَنا ضعفُنا بقوة الله التي لا تغالبها قوة ولا يخالطها ضعف، فلَهُ سبحانه القوةُ الغالبةُ والقدرةُ النافذة ومنه فقط يطلب العون.ولبعض الناس طبعا بأس، ولبعضهم قوة، غير أنها ليست قوةً مطلَقَةً، بل هي في الحقيقة أدنى الضعف، فمهما بسط لك من الجسم أو العلم أو المال أو الجاه، ومهما أوتيت من الحيلة فستظل كما كنت، ذاك العبدَ الضعيفَ إلا بقوة الله، الفقير إلا إلى الله، وستظل ضعيفًا مهما أوتيت من قوة؛ لأنك لا تملك لها ردًا لو أذهبها الله، فما بك من قوة فمن الله، والقوة من أنْعُمِ الله، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:53]، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ [الأنعام:46]. كفى به ضعفًا أن لا يأمن الإنسانُ ذهابَ قوته، ولا يملك ردَّها بعد زوالِها، كما لا يملك كشف الضرِّ عنه إذا مسه، ولا تحويله إلى غيره، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94].ولنتأمل صورة واحدة من صورهذا الضعف في الإنسان، صورةٍ هي من أظهر وأوضح ما يُرى الإنسانُ فيها ضعيفًا، هي الحالة التي لا يستطيع أن يواري فيها ضعفه، بل هي الحالة التي يقصد أن يُظهرَ فيها ضعفه وافتقارَه وحاجتَه، بعد أن كان يخفيها بكِبرِه وغروره. إنها حالة المرض، عارضٌ يُنهِك البدنَ ويضعِفُه؛ فتضعفُ معه النفس، ويذهب عنها كبرياؤها، ويذوب طغيانُها، فتعودُ إلى سيرتَها الأولى، إلى فطرتها التي تنكّرتْ لها بالكبر والطغيانِ.كشف المرض ما كان مستورا وأظهرَ ضعف النفس وحاجتها وافتقارها إلى حول مولاها وقوته ولطفه.المرض ضعف يُنهِكُ البدن حتى يتركه هزيلاً، ولكنه لبعض القلوب قوةٌ يَصقُلها بالإيمان، ويردُّها إلى الفطرة ويوقظُها من الغفلة، وينفي عنها خبَثَ الشبهات والشهوات، ويزيل من فوقها رُكامَ التيه بعد أن ران عليها طويلاً.ومع المرض تسارع النفسُ المؤمنة إلى التوبة ،ذاك البابُ المفتوحُ الذي ظلت عنه كثيرًا ولم تدخله حين كانت تتمتع بالعافية. فها هي تجري إليه سِراعًا بعد أن كانت تزعم أنها لم تكن على خطيئة فتحتاج معها إلى التوبة. كم هو قبيحٌ أن يتمظهر الإنسانُ بغير حقيقته، ويدعيَ ما ليس له، ويضعَ نفسه فوق قدرِها.ويا عجبًا للإنسان! ما أظلمه لنفسه وما أجهله! كيف ينسى ضعفه؟! وكيف يغترُّ بقوته التي يرى منها في نفسه ما لا يراه في الناس من حوله؟! ويقول قائل: ليس غريبا أن يكون حال الإنسان في الرخاء والصحة،هو غير حاله في الشدة والمرض، فمن الطبيعي جدًا أن يكون إقباله على الله في شدته وضرائه أكثرَ منه في صحّتِه ورخائه، وذلك راجع كما قلنا سابقا إلى الضعف الجبلّي الذي فُطر عليه الإنسان، فلِم إذن نحاسبه على هذا التحول ؟! هل نريد منه في مرضه أن يمد في غلوائه ويُمعنَ في طغيانه كما كان في صحته؟! أليس في إقباله على الله معنى التوبة التي نحبها لكل أحد؟!وقائل هذا مُحقٌّ في تساؤله وتقريرِه، ولكنه ترك بعضَ الحق لم يَقُلْه. نعم، ليس عيبًا ولا عارًا أن يُظهرَ العبدُ عند مرضه ضعفَه، ويعرض عند شدته حاجته بين يدي ربه، ويرفع إليه عند ضرائه أكفّ الضراعة، ويلحَ في الدعاء في ساعة البلاء، ويكثر حين ذلك من التوبة والاستغفار. ليس شيء من هذا معيبًا؛ فباب التوبة مفتوح، ورحمة الله واسعة، وهو يحب التوابين ويحب الملحين في الدعاء، ويحب أن يرى عبدَه منطرحًا بين يديه في مظهر المسكنةٍ والإخبات، كل هذا يحبه الله من عبده، ولو كان من قبل ساعة الشدة غافلاً مفرطًا. ولكن الذي يبغضه الله ويمقته من عبده أن يترك هذا التضرعَ ويترفّعَ عن هذه المسكنة ويتنكر نعمة الله عليه حين يكشف عنه ضُرَّه وحينما يذهب عنه ما كان يجد من الشدة والبلاء؛ كأنما لم يُصبْه مرضٌ قط، وكأنما لم يَدعُ ربَّه ساعة، فهذا هو الذي يمقته الله، وهو الذي لا يرضاه الدين ونتواصى على تطهير أنفسِنا منه. ويحدثنا القرآن عن حال الإنسان في البأساء والضراء مقارنة بحاله في الرخاء والسرّاء ليصوِّر لنا قدر ضعفه وعجزه، وأن فرحَه وفخره وكبرياءَه في حال الصحة إنما هو اغترار، وأن إعراضه بعد انفراج الشدة ليس إفلاتًا من قبضته سبحانه، ولا هربًا من سلطانه، فكم هو مغرورٌ حين يعتدُّ بقوته، وكم هو جاهل حين يركن إلى علمه، وكم هو شقي حين يُطغيه الرخاء والصحة. يحدثنا القرآن عن ذلك في غيرِ ما آية، فيقول سبحانه: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ [فصلت:51]، وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [الزمر:8]، وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [يونس:12].عباد الله : القليل منا من يتذكر في إبان قوته وقدرته أن ثمةَ ضعفًا، وأن هناك عجزًا، فساعات الرخاء تُنسي، والإحساسُ بالغنى يطغي، ثم يمسه الضر فإذا هو جزوع هلوع، وإذا هو ذو دعاء عريض، ضيق بالشدة مستعجل للرخاء. حتى إذا كشف الله عنه ضُرَّه وأجاب دعوتَه ولى مدبرًا ولم يعقب، ولم يتفكر ولم يتدبر، وعاد إلى ما كان عليه من قبل من غفلة وإعراض. العاقل يدرك ببصيرته أن زوال المرض وانكشاف الضُّرِ ورجوع العافية تسري في بدنه من جديد، ليس انسلاخًا من حال الضعف ولا رجوعا إلى حال القوة، بل هو في الحقيقة انتقال من ضعف أشد إلى ضعف أخف، ومن ضعف أعلى إلى ضعفٍ أدنى.والمرض كفارة للذنوب والمعاصي إذا صبر العبد عليه ولم يتذمر أو يتشكى أو يتسخط ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب خطاياه، كما تذهب النار خبث الحديد).ومن الناس من يسب الأمراض ويلعنها ظناً منه أنها تتصرف بمحض إرادتها، وهذا خطأ، فإن الله تعالى هو الذي يقدر هذه الأمور، وما الحمى والأمراض إلا جند مأمورة من جند الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة عادها من حمى بها: (لا تسبي الحمى، فإنها تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد)، فالسرطان والسكر وأمراض القلب وغيرها من الأمراض كلها من أقدار الله تعالى، فما ينبغي سبها ولعنها، ولقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذي لا تصيبه الأمراض والأوجاع ولا يبتليه الله بها ناقص الإيمان، ولقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم:(إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم).ولا يفهم من هذا الحديث أو يظن أحدكم أن المرض أمر مطلوب أو محمود لذاته، بل هو من قدر الله على خلقه، فمن صبر أُجر، ومن جزع ناله الوزر، ولا يجوز للمسلم أن يتمنى المرض، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيّاهُ؟) قَالَ: نَعَمْ. كُنْتُ أَقُولُ: اللّهُمّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخرة، فَعَجّلْهُ لِي فِي الدّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم (سُبْحَانَ اللّهِ لاَ تُطِيقُهُ أَوْ لاَ تَسْتَطِيعُهُ أَفَلاَ قُلْتَ: اللّهُمّ آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ) ، قَالَ: فَدَعَا اللّهَ لَهُ. فَشَفَاهُ. فالمؤمن عباد الله لا يتمنى المرض ولا يحبه، ولكن إذا نزل به كان من الصابرين الراضين، قال بعض السلف: لأن أُعافى فأشكر أحب إلى من أن أُبتلى فأصبر.وإن من نعم الله تعالى على عباده أنه إذا ابتلى أحدهم وأقعده عن ما كان يحبه من الصلاة والصيام وأعمال الخير، فإنه يرزقه من الأجر ما كان يفعله في صحته وعافيته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً). وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من حق المسلم على أخيه أن يعوده إذا مرض، وأرشدنا عليه الصلاة والسلام إلى جمع من الأدعية التي يدعو بها المسلم عند أخيه المريض، ينبغي للمسلم أن يحفظها وأن يدعو بها لأخيه المريض، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتدواي فقال: (تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم)، إلا أنه لا يجوز أن يتدواى المسلم بالذهاب إلى المشعوذين والسحرة والدجالين، لأن ذلك من الأمور المحرمة، والله تعالى لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا.ويجب على كل مسلم أن يعلم أن الصلاة لا تسقط عن المكلف، فلا يجوز للمسلم أن يترك الصلاة حال مرضه، ولو كان مقعداً أو جريحاً أو لا يستطيع الوضوء ولا استقبال القبلة، لأن الله تعالى يقول: فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. فالصلاة لا تسقط عن المكلف بأي حال من الأحوال، ولا يظن احد أن الابتلاء بالمرض دليل على هوان الإنسان على ربه، كلا والله، فكم من كافر صحيح معافى في بدنه، وكم من مؤمن سقيم مبتلى في جسده.هذا نبي الله أيوب عليه السلام، ابتلاه الله في جسده بالأسقام والأوجاع ثمان عشرة سنة، حتى نبذه الناس ورفضوه وألقوه على مزبلة تقذراً منه، وهو مع ذلك كله صابر ذاكر محتسب، وهذا يعقوب عليه السلام ابتلاه الله في بصره فعمي حزناً على يوسف وأخيه، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم، كان يوعك كما يوعك الرجلان، قال عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه،فإن كان في دينه صلابةا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه،فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما به من خطيئة).فيا أيها المبتلى احمد الله على ما أصابك واصبر، فإن التشكي والجزع لا يذهبان البلاء، ولكن الصبر والرضى يزيدان في الجزاء. اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا وتولّ أمرنا.ادعو الله عسى أن تكون ساعة استجابة.

 الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى ... أما بعد :

الأمة اللاهية المستهترة البعيدة عن تطبيق منهج الله تبارك وتعالى أمة مصيرها الشقاء والعذاب، وشعبنا المسلم رغم ما يعانيه من جور وظلم من قبل أعداء الإسلام إلا أن الكثيرين منا ماضون في غيهم وضلالهم، وبدلاً من أن يتوجهوا إلى الله تبارك وتعالى ويعملوا لرفع الظلم والعدوان، إذا هم يتفننون في ظلم بعضهم بعضاً،بل عظمت المصيبة بان أصبح الأخ يقتل أخاه عوض أن يوجه تلك الرصاصات التي يحصل عليها بشق الأنفس إلى صدور الأعداء. إنه نذير شؤم على هذه الأمة .إنه غضب من الله ومقت نسأل الله أن يرفعه عنا وألا يهلكنا به.حصل هذا لما شاع الفساد بين العباد، فكثرت السرقات وأقبل الشباب على شرب الخمور وتعاطي المخدرات، وخرجت النساء والفتيات كاسيات عاريات، بلا حشمة ولا وقار، وانتشرت الموبقات وشاع الزنا، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله) فسدت مجتمعاتنا ،حكاما ومحكومين. و نامت ضمائرنا ،علماء وعامة.واهتزت قيمنا ،وانطمست أخلاقنا ،فحق علينا ما نراه من قتل وتمكن للعدو في أراضينا وخيراتنا واستهتارهم بديننا وكتابنا ونبينا .ولقد شبه نبينا هذا المجتمع الذي نعيش فيه بسفينة تقاسمها أصحابها، فأقام بعضهم أسفلها والبعض الآخر أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَن فوقَهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، يقول النبي: (فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا). تلك السفينة هي مجتمعنا نحن عباد الله، لذلك لو أراد شخص أن يرتكب جريمة أو يجاهر بمعصية وجب علينا أن نمنعه عن فعل منكره، وليس لأحد أن يجاهر بمعصيته صغرت أم كبرت ثم يحتج بالحرية الشخصية؛أو بحقوق الإنسان. لأن شؤم المعصية العلنية يعم المجتمع كله كالخرق في أسفل السفينة، ونحن أيها المسلمون لمَّا سكتنا ورضينا بالمنكرات تُرتكب جهارا نهارا وصل مجتمعنا إلى ما هو عليه الآن من تفكك أسري وارتفاع في نسبة الطلاق والعنوسة والبطالة وحدوثِ جرائم القتل والسرقة بسبب ضعف الدين في القلوب وبسبب الظلم الذي يظهر جليا واضحا في تعاملات الأفراد والجماعات والمؤسسات وظهور الزنا واللواط والخمور والمخدرات،بل المصيبة أن نقرأ في بعض المجلات والصحف من يكتب ممن ينتسبون إلى الاسلام بأن ظهور هذه المنكرات أمر طبيعي محتجين بأنه قد كان في عصر النبي من الصحابة مَن زنى وسرق وقتل، ونحن لسنا بأفضل منهم، وهذه كلمة حق أُريد بها باطل، لقد كان في الصحابة مَن زنى كماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه، وهنالك من سرق كالمخزومية رضي الله عنها، إلا أنها حالات تُعد على أصابع اليد الواحدة، وفي مدة تقارب العشر سنوات، ثم إن تلك الذنوب لم تكن طبيعية ولا علنية، بل كانت مخفية وشاذة بين المسلمين، ولم يكن المجتمع الإسلامي يعظم العصاة ويُجِلُّهُم كما هو الحال الآن مع الفنانين والمرتشين والمرابين وآكلي الحرام؛ لأن الأصل في المجتمع الإسلامي أن لا تظهر فيه الذنوب ولا يُجاهر بها، فإن حصلت المجاهرة ولم يقم المسلمون بواجبهم من الإنكار فهذا نذيرٌ بنهاية المجتمع، فإن سنة الله أن تنزل العقوبة على ذلك المجتمع، ولا عبرة بوجود الصالحين والعلماء إذا لم ينهوا عن المنكر، يقول تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].فواجبنا نحن ـ عباد الله ـ أن نقاوم انتشار المنكر بكل ما أوتينا من قوة، وبحسب ما يسمح لنا به ديننا وبالموازنة بين المفاسد والمصالح، وأول ما يجب عليك البدء به أهلك، فابدأ بنفسك وبمن تعول، ولو أصلح كل منا نفسه وأهله وجيرانه وأصدقاءه لصلحت الدنيا كلها.فاتقوا الله عباد الله، وانهوا عن المنكر، ولكم فيمن حولكم عبرة وعظة، ممن سلط الله عليهم الحروب والزلازل والفواحش والعياذ بالله.
اللهم احفظنا بحفظك، واسترنا بجميل سترك يا أرحم الراحمين... اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا، اللهم اغفر لنا وارحمنا.اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين .اللهم إنا لا نخلو عن نظرك طرفة عين ،فارزقنا الحياء من معصيتك .علمنا أن لنا رزقا لا يتجاوزنا وقد ضمنته لنا فقنعنا به. واحفظنا من التلصص له. وعلمنا ان علينا دينا لا يؤديه عنا غيرنا فاجعلنا في شغل به وعلمنا ان لنا اجلا يبادرنا بغتة فأعنا ربنا على حسن عبادتك واقض اجلنا في طاعتك واختم لنا بخير عمل واجعل جزاءه الجنة. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحوُّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. اللهم احفظنا بالإِسلام قياماً، واحفظنا بالإِسلام قعوداً، واحفظنا بالإِسلام رقوداً، ولا تُشمت بنا عدواً ولا حاسداً. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويعاف فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم. اللهم هيئ لهذه الأمة من يقيم علم الجهاد ويجدد أمر الدين. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

محمد وحيد الجابري

جمعة 15 يونيو 2007 / 29 جمادى الثانية 1428
مسجد الرحمن ـ دبيلت ـ هولندا

Bookmakers bonuses with www gbetting.co.uk site.