الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.أما بعد، لم ينزل الله سبحانه وتعالى دين الإسلام من فوق سبع سماوات ليكون أفكارا أو نظريات يستمتع الإنسان بمناقشتها ،ولا ليكون طقوسا غامضة يتبرك الناس بها في المناسبات ولا يفقهون منها شيئا.إنما أنزل الله هذا الدين ليحكم حياة الفرد وينظم حياة الأسرة ويقود المجتمع ، ليكون نورا يضيء طريق البشر ويخرجهم من الظلمات إلى النور.
يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة المائدة "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم."هذه الهداية الربانية، هذا النور لن ينتفع به إلا المسلم الصادق الذي ربط حياته بالله وبما عند الله.من كانت صلته بالله قوية فإنك تجده دائم الذكر لله،دائم التوكل عليه مستسلما لربه مطيعا له في كل صغيرة وكبيرة ،يرجو رحمته ويخاف عذابه.الميزان عند هذا المسلم انه آمن وأيقن ان الدنيا فانية وأن الآخرة خير وأبقى،فسارع إلى الإكثار من حسناته لأنها سبيل الفوز في الآخرة.القضية قضية جنة أو نار.إما أن تعتق نفسك وإما أن توردها موارد الهلاك.إذا اقتنعت أخي المسلم بهذا، ألن تبحث عن الحسنة أينما كانت لتفعلها وتضيفها إلى سجلاتك؟ ألن تبتعد عن السيئة مهما كانت صغيرة حتى لا تقع في ميزانك؟هذا ما يريده الله منك.لن تنفعه حسنتك ولن تضره سيئتك بل بالعكس ،من فضله عليك ورحمته بك يجزي بالحسنة عشر أمثالها ويضاعف ذلك إلى سبعمائة ضعف."من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"ويقول عز من قائل " والله يضاعف لمن يشاء".والذي يضاعف الحسنة أضعافا كثيرة هو إخلاص النية والتوجه بالعمل إلى الله وابتغاء مرضاته.والحق سبانه وتعالى يعطينا المثال في كتابه الكريم:"مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة."{البقرة261} إذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعالى ، تعطيها أنت حبة واحدة فتعطيك سبعمائة فمذا يعطي خالق الأرض؟ إن عطاءه غير محدود ولا ينفذ ولا ينقطع.فالإنسان لما نظر إلى ما تعطيه الأرض من سبعمائة ضعف ،اقبل بنشاط على البذر والزرع واقبل على الحرث غير خائف لأنها ستعوضه أضعاف أضعاف ما أعطى.الإنسان المؤمن يبني حياته على هذا الشكل فيطمئن إلى أن حركة حياته لها ثواب وأجر عند الله تبارك وتعالى.فإذا صلى فله أجر،وإذا أخرج زكاة ماله فله أجر،وإذا صام فله أجر ،وإذا حج فله أجر، وإذا أمر بالمعروف فله أجر وإذا نهى عن المنكر فله اجر،وإذا وضع اللقمة في فم زوجته فله أجر، وإذا أحسن تربية ولده فله أجر،وإذا وضع فرجه في حلال فله أجر.وهكذا كل ما يفعله وفق منهج الله له فيه أجر.وليس اجرا بقدر العمل ولكن أضعاف العمل وليس هذا إلا للمؤمن.لأن عدل الله أن يؤجر كل إنسان على عمله ،يأخذه في الدنيا ، أما المؤمن فله عطاء الآخرة أيضا،.يقول ربنا عز وجل:"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله.إن الله بما تعملون بصير." الله تعالى يطمئنك أن هذا الخير الذي تفعله هو في يد الله.يدخره لك . وليس بيد أحد آخر قد ينكره عليك ويقول لك لا شيء لك عندي.لا ،هو في يد الله.وستجده في الوقت الذي تكون في أمس الحاجة إليه، وقت الحساب.بل إن الله يرغبك في الاكثار من الحسنات حتى تحصل على أكثر من عشرة وأكثر من سبعمائة،يقول سبحانه وتعالى:" للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة.أولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون" {يونس26} للذين أحسنوا أي بالغوا في أداء الحسنة .هؤلاء لهم الحسنى.الحسنة بعشر أمثالها.فما هي الزيادة؟ هي العطاء الزائد في الحسنات. روى ابن جريرعن أبي موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي :يا أهل الجنةـ بصوت يسمع أولهم وآخرهم ـ إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ،فالحسنى:الجنة ،والزيادة :النظر إلى وجه الرحمن عز وجل."وهكذا تتعدد مراتب الجزاء على الحسنة فهناك العشرة أمثال والسبعمائة ضعف والحسنى والزيادة على الحسنى.وهذا هو الفضل العظيم.فهؤلاء العباد لن يفرحوا بعملهم مثل فرحهم بفضل الله وكرمه عليهم ،لأنه أعطاهم في الآخرة نعما لم يكونوا يحلمون بها،وهي تزيد وتفوق عملهم بكثير ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله .قالوا ولا أنت يارسول الله ؟قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ." وذلك لأن عمل الدنيا لا يساوي نعمة واحدة من نعم الله على خلقه.فكل من يدخل الجنة فبفضل الله سبحانه وتعالى حتى الشهداء الذين قدموا حياتهم وهي أغلى وكل ما يملكون في هذه الدنيا،يقول الحق سبحانه وتعالى عنهم:"فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون"{آل عمران 170}فإذا كان الشهداء وهم في أعلى مراتب الجنة قد دخلوا الجنة بفضل الله ورحمته فما بالك بمن هم اقل منهم اجرا ."إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون"{يونس60} فإياك ثم إياك أخي المسلم أن تغتر بعملك،إياك أن تغتر بعبادتك.فلو حاسبنا الله بالمعايير المضبوطة تماما لهلكنا. ولذلك ما أجمل هذا الدعاء:" اللهم بالفضل لا بالعدل وبالإحسان لا بالميزان وبالجبر {أي بإصلاح النقص} لا بالحساب.وفي آيات الكتاب العزيز يوضح لنا الله عزوجل أن هناك شيئا أكبر من الجنة التي يعمل لها العاملون:"ورضوان من الله أكبر.ذلك هوالفوز العظيم."{التوبة72}عن صهيب الرومي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى:تريدون شيئا أزيدكم؟فيقولون:ألم تبيض وجوهنا،ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال عليه الصلاة والسلام:فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظرإلى ربهم عزوجل." هذه القضية، قضية رؤية الله عزوجل خاض فيها الخائضون دون علم ولا فقه في القوانين التي سنها الله في الكون وفي الإنسان.لابد أن نعلم أولا ان رؤية الله عز وجل مستحيلة في الدنيا،مادام الانسان في هذا الجسد البشري.لأن هذا الجسد له قوانينه الأرضية.اما يوم القيامة فنكون خلقا بقوانين أخرى.في الدنيا نأكل ولا بد أن تخرج مخلفات الطعام من أجسادنا وفي الاخرة ليس هناك مخلفات.في الدنيا يحكمنا الزمن،وفي الاخرة لا زمن،يظل الإنسان شبابا دائما.إذن هناك تغيير. المقاييس والقوانين في الدنيا ليست هي المقاييس والقوانين يوم القيامة .تكوينك الجسدي الدنيوي لا يسمح لك برؤية الله الآن ،لكن الذي خلقك أول مرة سيعيد خلقك بتكوين تستطيع به أن ترى الله عز وجل إذا كنت تستحق ذلك وأهلا له.ولذلك لما قال نبي الله موسى"رب أرني أنظر إليك" قال الحق سبحانه"لن تراني" وفي اللغة ، " لن" تأتي تأبيدية. يعني لن تراني ابدا.في الدنيا والآخرة ؟ لا. في الدنيا فقط وبتكوينك هذا.لأن الدنيا لها زمن والآخرة لها زمن."يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار"{إبراهيم 48} ثم وضح الله السبب لموسى لماذا لا يقدر على الرؤية،فقال عز من قائل"ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني.فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا.فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين."{الأعراف 143} المفروض في الجبل الصلابة والقوة والثبات والتماسك ،لم يثبت ، اندك وتحطم ،الأقوى منك يا موسى لم يقو على نور الله ،لم يستطع أن يتحمل قوة نور الله فكيف تتحمله أنت بتكوينك البشري ؟. وكأن الله حجب الرؤية عن موسى رحمة منه لأنه إذا كان قد وقع ما وقع للجبل فماذا كان يمكن أن يحصل لموسى؟ من عظمته عز وجل أنه لا يحس ولا يرى ولذلك هو الله .الروح خلق من خلقه ،لا تحس ولا ترى ،فإذا خرجت من الجسد يموت ويتعفن. فهل علمت أين كانت هذه الروح في هذا الجسد؟ هل شممتها؟ هل أبصرتها او سمعتها أو لمستها؟ لا.إذن الروح وهي مخلوقة لله ،موجودة فيك ولم تستطع ان تدركها فكيف تدرك خالقها؟ "لا تدركه الأبصاروهو يدرك الأبصاروهو اللطيف الخبير"{الأنعام} نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبما جاء فيه من الآيات والذكر الحكيم وبحديث سيد الأولين والآخرين وأجارني وإياكم من عذابه المهين وغفر لي ولكم ولجميع المسلمين .ادعو الله عسى أن تكون ساعة استجابة.
الحمد لله {الذي يقبل التوبة عن عباده.ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد.}واشهد أن لاإله إلا الله الملك الحق المبين واشهد أن محمدا رسول الله إمام الأنبياء وسيد المصلحين.اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.أما بعد :يتجلى الحق سبحانه على أهل الجنة فترات ، ويتجلى على الذين يحبونه لذاته دائما.وعندما يتجلى الله أهل الجنة يقول لهم :يا أهل الجنة فيقولون :لبيك ربنا وسعديك والخيرفي يديك.فيقول سبحانه:هل رضيتم؟ فيقولون :وما لنا لا نرضى يارب وقد اعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك.فيقول:ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يارب وأي شيء افضل من ذلك؟ فيقول:احل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا.
أيها الإخوة المسلمون :إن كل أعمال البر وكل العبادات التي نقوم بها لن تؤتي أكلها ولن تكون موفقة وبالتالي مقبولة، إلا إذا خلصت النفس بتلك الأعمال إلى الله عز وجل.وكل إنسان موكل إلى عمله.أما إذا أردت أن تكون في المنزلة العليا فعليك أن تجتهد وهذا موسم الاجتهاد ، أن تزيد من الطاعات فوق ما فرضه الله عليك ،أن تصلي والناس نيام ،أن تقرأ القرآن وتلتزم بأحكامه،أن تتصدق ولا يعلم بك أحد ،أن تتقن العمل الذي تقوم به لأجل حياتك ولأجل غيرك ، إذا فعلت ذلك محبة في الله الذي يستحق التعظيم ،فستكون في معية الله يعني أن الله يكون معك أينما رحلت وارتحلت.من أطاع الله طمعا في الحصول على نعيم الله في الآخرة ،سيحصل على هذا النعيم.ومن أطاع الله لذات الله ..حبا في الله،لأنه سبحانه وتعالى يستحق أن يعبد لذاته وأن يطاع،فسيعطيه الله في الآخرة مع التعظيم والتكريم والمحبة، متعة ولذة النظر إلو وجهه الكريم."وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" وفي هذا المعنى تقول رابعة العدوية:" اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فأدخلني فيها وإن كنت تعلم أني أعبدك طمعا في جنتك فاحرمني منها.إنما أعبدك لأنك تستحق أن تعبد."
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.اللهم إنا نسألك إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفذ وقرة عين لا تنقطع ومرافقتك نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد.اللهم اجعلنا ممن سبقت لهم منك الحسنى وزيادة.اللهم اجعل خير عمرنا آخره وخير عملنا خواتمه وخير أيامنا يوم نلقاك.اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان الذي تعطف بالعز وقال به ، سبحان الذي لبس المجد وتكرم به، سبحان ذي الفضل والنعم، سبحان ذي الجود والكرم، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي الجلال والإكرام، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
جمعة 09 رمضان 1428 /21 شتنبر 2007
مسجد الرحمن ـ دبيلت