إن لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دورًا كبيرًا في توجيه سلوكنا، فمن اهتدى وسار على منهج الشرع فلا شك أنه رجل سيباركه الله، وسيكون ممن ينفع الله به البلاد والعباد، والبركة هبة من الله يهبها لمن حقّق شروطها، وليست بابًا مفتوحًا لكل أحد، فإذا توفرت فيك الشروط فهنيئًا لك فأنت رجل مبارك، والبركة قد تشمل كل شيء، تكون في المال والولد والوقت والعمل والإنتاج والزوجة والعلم والدعوة والدار والعقل والجوارح، ولهذا كان البحث عن البركة ضروريًا، فكان النبي يدعو في قنوته: (وبارك لي فيما أعطيت)
الحمد لله الملك الحكيم خلق الإنسان في أحسن تقويم، فطر السماوات والأرض بقدرته، ودبر النور في الدارين بحكمته، وما خلق الإنس والجن إلا لعبادته، فالطريق إليه واضح، ولكن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله،وعلى آلك وأصحابك وسلم إلى يوم الدين. أما بعد: فأوصيكم ـ معاشر المؤمنين ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإن تقوى الله هي خير مخرج وأقوى منهج، وهي مفتاح الخيرات (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) [الطلاق:2، 3]
عباد الله ، قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: " قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا " [مريم: 30، 31] يخبر عيسى عن نفسه بأن الله تعالى قد جعله مباركًا، أي: باركه فزاده الله في كلّ شيء. وفي هذه الآيات دليل على أن الله واهب البركة ومصدرها، ومعنى وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ أي: معلمًا للخير، داعيًا إلى الله، مرغبًا في طاعته، فهذه من بركة الرجل، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة.عباد الله، إن لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دورًا كبيرًا في توجيه سلوكنا، فمن اهتدى وسار على منهج الشرع فلا شك أنه رجل سيباركه الله، وسيكون ممن ينفع الله به البلاد والعباد، والبركة هبة من الله يهبها لمن حقّق شروطها، وليست بابًا مفتوحًا لكل أحد، فإذا توفرت فيك الشروط فهنيئًا لك فأنت رجل مبارك، والبركة قد تشمل كل شيء، تكون في المال والولد والوقت والعمل والإنتاج والزوجة والعلم والدعوة والدار والعقل والجوارح، ولهذا كان البحث عن البركة ضروريًا، فكان النبي يدعو في قنوته: (وبارك لي فيما أعطيت).وكما هو معروف أن عمر العبد هو مدة حياته، ولا حياة لمن أعرض عن الله واشتغل بغيره، ولذلك كانت المعصية سببًا لمحق بركة الرزق والأجل، ولهذا شرع ذكر الله عند الأكل والشرب واللباس والركوب والجماع، لما في ذكر اسم الله من البركة. ذكر الله يطرد الشيطان فتحصل البركة، وكل شيء لا يكون لله فبركته منزوعة، فالله وحده هو الذي يبارك،والبركة كلها منه سبحانه،وكلّ ما نسب إلى الله فهو مبارك، فكلامه مبارك،ورسوله مبارك، والعبد المؤمن النافع لخلقه مبارك،وبيته الحرام مبارك.
أيها المؤمنون، لو تدبرنا النصوص الشرعية لوجدناها تدعونا إلى بذل الخير للغير؛ ليباركنا الله فينتفع منا الآخرون.وأول المباركين هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فحينما أخذته حليمة السعدية لترضعه أصبحت دابتها أسرع الدواب بعد أن كانت هزيلة ضعيفة؛ لأنها كانت تحمل على ظهرها أفضل الخلق ، أما البهائم العجاف التي كانت تملكها حليمة السعدية فأصبحت تدر لبنًا كثيرًا ببركة محمد ، وحينما جاءت الرسالة بدأت بركاته تنزل على الناس، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يذهبون بصبيانهم إلى النبي ليباركهم ويدعو لهم ويمسح عليهم. ومن بركاته تكثير الماء وتكثير الطعام، فيأكل الصحابة الطعام ويخرجون والطعام كما هو، ومن بركته أنه كان يداوي مرضى الصحابة رضي الله عنهم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما كان مع النبي في الغار فلدغته عقرب فتفل النبي على المكان الملدوغ فبرئ أبو بكررضي الله عنه، وهذا علي رضي الله عنه في يوم خيبر أصابه الرمد في عينيه فتفل النبي في عيني علي فقام وكأنه ليس به شيء، وهذا صحابي آخر يأتي إلى الرسول في إحدى الغزوات وعينه في يده فأخذها النبي بيده الشريفة ورد العين في مكانها، فعادت أحسن مما كانت. هذا هو نبينا الذي باركه الله، وقد مات وبقيت البركة في طاعته والتمسك بسنته ، وإننا لنرجو من الله أن يرزقنا شفاعة نبيه يوم القيامة. ومن المباركين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فقد كان حكمه عدلاً وعلمه بحرًا وخلقه حسنًا وعقله كمالاً وسياسته حكيمة ونفسه زكية ولربه قانتًا خاشعًا، ومن بركة عمر في حكمه أن المال فاض بأيدي الناس فاغتنى الناس حتى أن الغنيّ يبحث عن فقير ليعطيه المال ويتصدّق عليه فلا يجد فقيرًا، كان عمر بن عبد العزيز رجلاً مباركًا في كل شيء؛ في عدله وعلمه وعبادته وصيامه وقيامه وذكره لله تعالى، ثم تأتي ساعة الفراق فيموت وهو يتلو القرآن عند قوله تعالى: " تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [القصص: 83]. ومن بركته أن فترة خلافته كانت سنتين وخمسة أشهر فقط، فعمّ العدل أنحاء الدولة الإسلامية، واغتنى الناس في فترة وجيزة.ومن الناس المباركين عند الله ،عبد الله ابن المبارك، بارك الله له فأحبه الجميع،كان عالمًا مجاهدًا عابدًا صادعًا بالحق، وما من خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها الله في ابن المبارك. كان رجلاً مباركًا في ماله لأنه لم يكن يدخره لنفسه، بل كان يشكر الله على ما أعطاه فينفق على الناس، فكان إذا سافر مع مجموعة يطلب منهم أن يضعوا أموالهم معه، فيجمعونها عنده فيضعها في صندوق وينفق عليهم من أفضل أنواع الطعام ويلبسهم أفضل اللباس ويطلب منهم أن يشتروا لأهليهم، وبعد العودة يقيم لهم مأدبة ثم يخرج لكل واحد منهم ماله في منديله كما وضعه. كان يتاجر ولكن للإنفاق على أهل العلم والعبادة، كان مسخَّرًا لخدمة الناس ومساعدتهم، فكان يفك المحبوس على المال ويطلب من الدائن أن لا يخبره المحبوس ولا يعلم الناس بذلك إلا بعد موته رحمه الله. كان هذا حال السلف رضوان الله عليهم ، فكيف هو حالنا اليوم؟ أغلب الناس اليوم يرددون كلمة واحدة : قلّة البركة. قلة البركة في الأموال والأولاد،وعدم الانتفاع بالأرزاق والأبناء.الرجل اليوم يكون دخله عاليًا وأبناؤه عُصْبَة من الرجال الأقوياء ثم تراه يقترض ويستدين،ويعيش في بيته وحيدًا أو مع زوجه العجوز لا أحد من أبنائه يهتم به أو بشأنه. يدخل كثير من الناس السوق وجيبه مليء بالمال، فلا يخرج إلا وهو صفر اليدين أو قد تحمَّل شيئًا من الدَّين، وعندما ينظر فيما أتى به من أغراض وحاجات لأهله لا يجد إلا أشياء كمالية صغيرة لا تساوي ما أنفق فيها من مال. في الماضي القريب رأينا الناس ،عندما كان قدر الدين في قلوبهم أقوى وأعلى، ومكانته في نفوسهم سامية، كانت أرزاقهم سهلة ميسورة،والخيرات والبركات بينهم منشورة، كان راتب أحدهم قليلاً ومعاشه ضئيلاً، ولكنه كان يسد حاجته ويمنعه الفقر، ويكفيه ذل سؤال الناس ، بل كان يوفر منه ويدّخر شيئًا كثيرًا، يجده عند الشدائد ، وينفعه الله به عند الكر بات . ثم ما زالت الرواتب تزداد والبركة تقل والمعاشات ترتفع ومستوى المعيشة ينخفض، في ظل هذه الحضارة المادية التي ازداد الناس فيها علمًا بظاهر الحياة الدنيا، وأصبحوا عن الآخرة هم غافلون. قلّت البركة ونُزِعت من الأموال، حتى أصبح الذي بالأمس تكفيه ألف في الشهر ينفق الآن ثلاثة آلاف أو أكثر في أسبوع أو أسبوعين،ثم يظل بقية شهره لا يجد شيئًا. لذلك لا بد أن نتأمل في أحوالنا،ونراجع أنفسنا،وأن نبحث عن الأسباب التي بها نُزِعت البركات وقلّت الخيرات،حتى نعالجها ونتخلص منها.
من تلك الأسباب ـ أيها المسلمون ـ بل من أهمها وأقواها ضعف الإيمان في النفوس وانعدام التقوى من كثير من القلوب، حتى عاد كثير من المسلمين لا يرجون لله وَقَارًا، عصوه بالليل والنهار، وخالفوا أوامره واتبعوا أهواءهم. أصبح جمهور الناس اليوم لا يقيمون لأوامر الدين ونواهيه وزنًا، ولا يعطونها اهتمامًا ولا قدرًا.ووالله لو صدق كل منا مع نفسه وحاسبها محاسبة صادقة لوجد أخطاء لا يحصيها ،{ بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } [القيامة:14، 15].ثم من أسباب قلة البركات ونزعها ـ أيها الإخوة ـ تعلق الناس بالمال والدنيا، وغفلتهم عن الآخرة، حتى لقد أصبح كثير منهم يوالي ويعادي في المال ، ويحب له ويبغض من أجله. والمنازعات التي تملأ المحاكم اليوم الكثير منها سببه وأصله النزاع حول الأموال.وقد تمضى على بعض القضايا عشرات السنين،ولا يأخذ صاحب الحق حقه، ولا الظالم يرتدع عن ظلمه. رأينا كيف يتهاجر الإخوان ويتقاطع الجيران من أجل المال. ثم انظروا رحمكم الله كيف تنقضي أعمار كثير من المحامين والموكلين؟! هل فيما يرضي الله وفي طاعة الله، أم إنه في سبيل الشيطان وإغراق في المعصية وتفريق بين الأخ وأخيه وابن العم وقريبه؟!هل يستطيع أحد من المتهاجرين أن يقول: إنه هجر أخاه لأنه لا يصلي، أو أنه أقام على من خاصمه دعوى لأنه عاص لله؟ إذًا فمن أين ننتظر أن تحل البركة في أموالنا وأرزاقنا ونحن قد جعلنا هذا المال هدفنا ومُبْتَغَانا؟! من أين ننتظر البركة ونحن قد أصبحنا عبيدًا للمال خدمًا لسلطانه؟! من أين تأتينا البركة وقد أصبح المال محركنا وهو الذي يسكننا، وهو الذي يرضينا ويسخطنا؟! من أين تأتي البركة وصاحب الفضل يبخل بفضله والغني يمنع خيره ؟! يا لها من تعاسة ،وما أشدها على الأفراد والمجتمعات! وما أقوى أثرها على القلوب والنفوس! يقول عليه الصلاة والسلام :(تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أُعْطِي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).وعن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال:(يا حكيم، هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس ـ يعني بتطلّع وطمع وشَرَه ـ لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع). ألا ما أشد انطباق هذا الحديث على المسلمين في هذا الزمان! وما أقرب معناه من واقعنا المؤلم! حيث جمع أكثرنا المال بإشراف نفس وطمع، وأخذه آخرون بشَرَه وتطلّع، فأفنوا من أجله أعمارهم، وأذهبوا في طلبه الأوقات، بل ونسوا في سبيله الطاعات، وغفلوا عما خُلِقوا من أجله من العبادات،فكانت النتيجة أن وقعوا في المهلكات، يكذبون في بيعهم ويغشون، ويحلفون الأيمان الكاذبة ويخادعون، ويرابون ويرتشون ويشهدون الزور، كل ذلك طمعًا في الاستزادة من المال،فمن أين تأتي لمثل هؤلاء البركة؟! قال عليه الصلاة والسلام :(البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا،فإن صدق البيعان وبيّنا بورك لهما في بيعهما،وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحًا ويمحقا بركة بيعهما) وقال:(الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب)، وفي لفظ: (ممحقة للبركة) كذلك من أسباب عدم البركة ـ أيها الإخوة ـ البخل والشح وعدم الإنفاق في سبل الخير وأوجه البر، قال سبحانه وتعالى في محكم التنزيل :" وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وقال نبي الهدى صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تَلَفًا)، وقال:(يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك). فكيف يبغي البركة بخيل ممسك تدعو عليه ملائكة الرحمن بالتلف؟! وكيف ينتظر البركة شحيح لا يفعل خيرًا ولا يدعى له بخير؟! ومن أسباب عدم البركة أكل المال الحرام والتساهل في ذلك أخذًا وعطاءً، وقد كثر في هذا الزمان ذلك المنكر العظيم، واتسع في معاملات الناس فيما بينهم، فكم من المصارف الربوية التي توقع الناس في الربا من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فيما يسمى بعمليات التقسيط والمرابحة، أو فيما يدعى بالفوائد البنكية، وكم من قنوات الشر والفساد وجرائد الشر والفتنة ومحلات الجشع والطمع من يبتلون المسلمين بمسابقات الميسر والقمار، وكم من التجار من يتعامل بالربا الذي لا مرية فيه، وكم من الموظفين والعمال من يأخذ الأجر ولا يقوم بالعمل كما ينبغي، وكم من الناس من يتلاعب بأموال المسلمين ،سواء بأخذ الرشوة جهارًا نهارًا،أو الاقتطاع من مستحقات المرافق العامة. أفلا يكون ذلك سببًا في نزع البركات وقلة الخيرات، وأبرز معالمها الواضحة عدم استجابة الدعاء؟! وقد قال سبحانه وتعالى في شأن الربا: " يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276. أيها المسلمون، ومن أسباب عدم البركة مخالفة سنة الله الكونية، حيث جعل سبحانه الليل لباسًا والنهار معاشًا، فقلب كثير من المسلمين هذه الآية رأسًا على عقب، فسهروا الليل على ما لا يرضي الله،وناموا النهار عن طاعته، وكسلوا عن السعي في الأرض لطلب رزقه والأكل مما أحله.عن صخر بن وداعة الغامدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم بارك لأمتي في بكورها)وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار.فأين من البركة من نام في وقت البركة؟! أين من البركة من نام عن صلاة الفجر؟! أين من البركة من بال الشيطان في أذنيه؟ فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ وتقربوا إليه بصالح الأعمال ،واعلموا أن الدنيا زاد قليل وظل زائل، لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وليست أهلاً لأن يجعلها الإنسان هَمّه، فإن الله يعطيها لمن يحب ولمن لا يحب، ولكنه لا يعطي الآخرة إلا لمن يحب .وعليكم بالحلال وإن قل، وإياكم والحرام وإن كثر، فإنما هي أيام معدودة وأعمار محدودة، يوشك أن تنقضي فترجعون إلى الله " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281} أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه...
الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد أيها المسلمون، كان الفضيل ابن عياض يقول: "إني لأرى أثر معصيتي في خلق زوجتي ودابتي". هذا الاعتقاد كان نتيجة لقوة إيمانهم، أما نحن فأمورنا كلها مادية، وليسأل كل منا نفسه عند حصول مشكلة : هل نربط بين المشكلة وبين تقصيرنا في حق الله ؟ أم أننا نبحث عن أسباب وأسباب لا أصل لها.أيها المسلم، كيف تكون مباركًا؟ سؤال مهم، والجواب عنه يحتاج إلى أوقات طويلة، ولكن سأذكر بعض الأمور السريعة التي تجعلك مباركًا إن شاء الله .أولاً: دعاؤك الله بأن يباركك ودعاء الناس لبعضهم البعض، فقد كان الرسول يدعو للناس بالبركة، وعلمنا ذلك في مناسبات عديدة، فعندما يطعمك أخوك المسلم تقول له: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم، وعندما يتزوج المسلم تدعو له بالبركة: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير... وغير ذلك من الأدعية المشهورة .ثانيًا: البكور بأداء الأعمال وبخاصة صلاة الفجر، فتبدأ يومك بعبادة الله بصلاة مهمة، فعندها يبارك الله لك في كل شيء، ومن ذلك الرزق، ثالثًا: البعد عن المال الحرام بشتى أشكاله وصوره؛ فإنه لا بركة فيه ولا بقاء.رابعًا: المداومة على الاستغفار لقوله تعالى:" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا" [نوح: 10-12].خامسًا: الإيمان الصادق بالله والبعد عن الذنوب الفردية والجماعية، " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "[الأعراف : 96].سادسًا: الشرب من ماء زمزم، فهو ماء مبارك، وماء زمزم لما شرب له، كان ابن حجر يشربه ليكون من الحفاظ، فكان له ما أراد، فما هي دعوتك عندما تشرب من ماء زمزم؟سابعًا: التقرب إلى الله تعالى بالعبادات ومختلف الطاعات.ثامنًا: البعد عن الشحّ والشره في أخذ المال، فقد قال النبي :(فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع).تاسعًا: الصدق في التعامل بيننا عند البيع والشراء.
أسأل الله العلي العظيم أن يبارك لنا جميعًا في أنفسنا وأعمارنا وفي أوقاتنا و أعمالنا وفي زوجاتنا وأولادنا وفي آبائنا و أمهاتنا، وأن يبارك لنا في أموالنا وبيوتنا وبلادنا وبلاد المسلمين وفي حياتنا كلها، وأن يبارك لنا في كل ما أعطانا. اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وطهر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونق سرائرنا من الشرور والبليات، اللهم باعد بيننا وبين ذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس،واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وثبتنا على الصراط المستقيم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا من المتقين الذاكرين الذين إذا أساءوا استغفروا،وإذا أحسنوا استبشروا،اللهم ألِّف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وتُب علينا إِنك أنت التَّوَّاب الرحيم.اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، الذين يريدون أن تكون كلمتك هي العليا، اللهم ثبتهم وسددهم، وفرج همهم ونفس كربهم وارفع درجاتهم. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
مسجد الرحمن / دبيلت – هولندا
10جمادى الأولى1429 / 16-5-2008