تخيل انك في يوم القيامة والخلائق موقوفون للحساب وقد حان وقت الفصل بينهم. وبينما أهل الجنة ذاهبون اليها متشوقون وأهل النار اليها يساقون وجدت نفسك في مكان ربما لم تتخيل نفسك فيه أو ربما لم يخطر لك ببال أبدا. أتعرف أين أنت الآن ؟؟ انك واقف على الأعراف . لقد تساوت حسناتك وسيئاتك وبقيت في هذا المكان حتى يفصل الله عز وجل في أمرك .
الحمد لله القاهر. خلق الخلق من غير سبق .فطر السماوات والأرض بقدرته، ودبر النور في الدارين بحكمته، وما خلق الإنس والجن إلا لعبادته، فالطريق إليه واضح ، ولكن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله،صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آلك وأصحابك وسلم.أما بعد فيا أيها الأخوة المسلمون تحدثنا في الجمعة الماضية عن موقف عصيب سيقفه كل واحد منا يوم يقوم الناس لرب العالمين ،وبينا ان الشفاعة العظمى ستكون لنبي هذه الأمة ،سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث يكون عل الصراط ينتظر عبور أمته . في هذا الموقف العصيب يكون لفرقة من الناس وضع خاص ،حالة خاصة ، بل لهم اسم خاص جاء في كتاب الله عز وجل بل وسميت به إحدى سور القرآن .
قال الله تعالى في سورة الأعراف : (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ 46 وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 47 وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ 48 أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ 49 وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ 50). ذكر الله سبحانه وتعالى أَنَّ بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار حِجَابًا وَهُوَ الْحَاجِز الْمَانِع مِنْ وُصُول أَهْل النَّار إِلَى الْجَنَّة قَالَ اِبْن جَرِير وَهُوَ السُّور الَّذِي جاء في قَولَ الله تعالى "فَضُرِبَ بَيْنهمْ بِسُورٍ لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب" وَهُوَ الْأَعْرَاف الَّذِي قَالَ اللَّه تعالى فِيه "وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال ".وَالْأَعْرَاف جَمْع عُرْف وَكُلّ مُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض عِنْد الْعَرَب يُسَمَّى عُرْفًا وَإِنَّمَا قِيلَ لِعُرْفِ الدِّيك عُرْفًا لِارْتِفَاعِهِ. الأعراف مواضع مرتفعة على الصراط سبع قناطر وهي جسور بعضها أصعب من بعض ،وبعضها أشد سؤالا من بعض ، وبعضها أكثر ارتفاعا من بعض ،و عند كل جسر يسأل العبد عن عبادته التي افترضها الله عليه في الدنيا فأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة ، ثم حفظ اللسان ، ثم حفظ الجار ، ثم صلة الرحم ثم جميع ما أمر الله به و جميع ما نهى عنه .إذن كل من جاء إلى جسر الصراط سئل عن عبادته فإن كانت حسنة ترضي الله عز وجل ،مضى وصار إلى الجنة و نوره الإيمان يسعى بين يديه و عن شماله ،يزيد بطاعة الله و ينقص بمعصية الله ،فكل من نقص ثوابه بالمعصية نقص نوره على الصراط ٍ ومن أراد مولاه أن يعذبه أتم له النور في بعض جسور الصراط وأطفأ النور عنه في البعض الآخر ، و الصراط أسود مظلم من شدة سواد جهنم ، لو أن قطرة من ظلمة الصراط و ضعت في الدنيا لأظلم مشرق الدنيا و مغربها و لمات الخلق من شدة الظلمة . تأتي الخلائق إلى الصراط المؤمنون و الكافرون ،و الصراط أحد من السيف و أرق من الشعرة و أحر من الجمر ، ومع دقته و رقته يضطرب كما تضطرب السفينة بأهلها إذا كانت الرياح عاصفة ، فأما المؤمنون فيمضون و أنوارهم تسعى بين أيديهم و بأيمانهم.وأما الكافرون فيهوون ويسقطون في النار وبئس القرار،وتبقى فرقة ثالثة لا هم يسقطون في النار ولا هم يدخلون الجنة.وإنما حبس الله تعالى هؤلاء القوم على أعراف الصراط ليبين لأهل الجنة و الملائكة و الجن و الإنس و لجميع ما خلق الله تبارك و تعالى فضل نبينا محمد (صلى الله عليه وسلام ) فيظهر جاهه و قدره و حرمته عند ربنا جل جلاله.ٍهؤلاء هم أهل الأعراف الذين تحدث عنهم القرآن.إذا صاروا على تلك المواضع من الصراط نقص نورهم و بقوا على أطراف أنامل أرجلهم و رأوا ظلمة ، وذلك أن الخلق على الصراط على قدر أعمالهم في الدنيا ، فمن الناس من يكون له من النور ما يضئ له مسيرة سنة وما يضئ مسيرة شهر وما يضئ مسيرة جمعة ومسيرة يوم ومسيرة ساعة ، ومن الناس من يعطى من النور ما يضئ له موضع قدميه. على قدر منازلهم عند ربهم تبارك وتعالى و على قدر أعمالهم في الدنيا ،فيستبقون في الجواز على قدر أنوارهم التي معهم. فإذا ثبت هؤلاء القوم على أناملهم من أرجلهم لا يستطيعون الجواز وهم ينظرون إلى أهل النار كيف يعذبون في النار،قال الله تعالى ( وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ) يستغيثون و يتضرعون إلى مولاهم جل جلاله ويسألونه النجاة من النار ومن هول ما هم فيه من صعوبة الصراط،فيمكثون كذلك ما شاء الله تبارك وتعالى مغمومين مكروبين محزونين لا يدرون أينجون أم يهلكون !مع كل إنسان منهم حافظاه اللذان كانا يكتبان عليه عمله في الدنيا ، فبينما هم كذلك إذ يلقي الله تبارك و تعالى ذكرهم في قلوب إخوانهم من أهل الجنة و على ألسنتهم فيقول بعضهم لبعض يا ليت شعرنا ما فعل إخواننا من أهل الأعراف ؟ ما فعل أخواننا من أصحاب الأعراف ؟ فيقول الملائكة : يا معشر أهل الجنة أصحاب الأعراف لم يدخلوها و هم يطمعون بدخولها قد قل نورهم و طفئ سراجهم و بقوا على أطراف أناملهم و أرجلهم وهم وقوف ينتظرون رحمة ربهم فذلك قوله تعالى : ( ونادوا أصحاب الجنة ) يعني نادت الملائكة أصحاب الجنة (أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون )عباد الله، اخْتَلَفَتْ عِبَارَات الْمُفَسِّرِينَ فِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف مَنْ هُمْ وَكُلّهَا قَرِيبَة تَرْجِع إِلَى مَعْنًى وَاحِد وَهُوَ أَنَّهُمْ قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ. قاله حُذَيْفَة وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف - رَحِمَهُمْ الله - فعَنْ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -عَنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَالَ "هُمْ نَاس قُتِلُوا فِي سَبِيل الله بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ فَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُول الْجَنَّة مَعْصِيَة آبَائِهِمْ وَمَنَعَهُمْ مِنْ النَّار قَتْلهمْ فِي سَبِيل الله " وَعَنْ حُذَيْفَة أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَالَ: فَقَالَ "هُمْ قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ فَقَعَدَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتهمْ عَنْ الْجَنَّة وَخَلَفَتْ بِهِمْ حَسَنَاتهمْ عَنْ النَّار. قَالَ فَوَقَفُوا هُنَالِكَ عَلَى السُّور حَتَّى يَقْضِي الله فِيهِمْ".قال عبد الله بن المبارك أخبرنا أبو بكر الهذلي قال: كان سعيد بن جبير يحدث عن ابن مسعود قال: يحاسب الله الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر بواحدة دخل النار، ثم قرأ قوله تعالى: " فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم " ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة أو يرجح قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم أي: يحيونهم ويسلمون عليهم، وهم ـ إلى الآن ـ لم يدخلوا الجنة، ولكنهم يطمعون في دخولها.وإذا صرفوا أبصارهم إلى أصحاب النار رأوا منظرا شنيعا، وهَوْلًا فظيعا قالوا: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" يستجيرون بالله من تلك الحال.ثم انتقل الله عزوجل من ذكر الخاص إلى العام فقال: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} وهم من أهل النار، وقد كانوا في الدنيا لهم أبهة وشرف، وأموال وأولاد، فقال لهم أصحاب الأعراف، حين رأوهم منفردين في العذاب، بلا ناصر ولا مغيث: {مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ} في الدنيا، الذي كنتم تستدفعون به المكاره، وتتوسلون به إلى مطالبكم في الدنيا، فاليوم غاب، ولم يغن عنكم شيئًا. ثم أشاروا لهم إلى أناس من أهل الجنة كانوا في الدنيا فقراء ضعفاء يستهزئ بهم أهل النار، فقالوا لأهل النار: {أَهَؤُلَاءِ} الذين أدخلهم اللّه الجنة {الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ} احتقارا لهم وازدراء وإعجابا بأنفسكم، قد حنثتم في أيمانكم، وبدا لكم من الله ما لم يكن لكم في حساب، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} بما كنتم تعملون، أي: قيل لهؤلاء الضعفاء إكراما واحتراما: ادخلوا الجنة بأعمالكم الصالحة {لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} بل آمنون مطمئنون فرحون بكل خير. وهذا كقوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} إلى أن قال {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْأَعْرَاف السُّور الَّذِي بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار وَأَصْحَاب الْأَعْرَاف بِذَلِكَ الْمَكَان حَتَّى إِذَا بَدَأَ الله أَنْ يُعَافِيهِمْ اِنْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى نَهَر يُقَال لَهُ نَهَر الْحَيَاة حَافَّتَاهُ قَصَب الذَّهَب مُكَلَّل بِاللُّؤْلُؤِ تُرَابه الْمِسْك فَأُلْقُوا فِيهِ حَتَّى تَصْلُح أَلْوَانهمْ وَتَبْدُو فِي نُحُورهمْ شَامَة بَيْضَاء يُعْرَفُونَ بِهَا حَتَّى إِذَا صَلَحَتْ أَلْوَانهمْ أَتَى بِهِمْ الرَّحْمَن تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ " تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ " فَيَتَمَنَّوْنَ حَتَّى إِذَا اِنْقَطَعَتْ أُمْنِيَّاتهمْ قَالَ لَهُمْ " لَكُمْ الَّذِي تَمَنَّيْتُمْ وَمِثْله سَبْعُونَ ضِعْفًا " فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَفِي نُحُورهمْ شَامَة بَيْضَاء يُعْرَفُونَ بِهَا يُسَمُّونَ مَسَاكِين أَهْل الْجَنَّة .وَعَنْ أَبِي زُرْعَة عَنْ عَمْرو بْن جَرِير قَالَ : سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَالَ " هُمْ آخِر مَنْ يُفْصَل بَيْنهمْ مِنْ الْعِبَاد فَإِذَا فَرَغَ رَبّ الْعَالَمِينَ مِنْ الْفَصْل بَيْن الْعِبَاد قَالَ أَنْتُمْ قَوْم أَخْرَجَتْكُمْ حَسَنَاتكُمْ مِنْ النَّار وَلَمْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة فَأَنْتُمْ عُتَقَائِي فَارْعَوْا مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ شِئْتُمْ " .اللهم افتح مسامع قلوبنا لذكرك وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك وعملا بكتابك.ادعوا الله عسى أن تكون ساعة استجابة .
الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون،ورضي الله عمن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد عِبادَ الله،بعد ان بين الله تعالى لنا الحوار بين أصحاب الأعراف وأصحاب النار،أتبعه بذكر ما يقوله اهل النار لأهل الجنة. قال الله تعالى {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالُوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة ،طمع اهل النار بفرج بعد اليأس،فقالوا:ياربنا،إن لنا قرابات من أهل الجنة،فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم،فأمر الله الجنة فتزحزحت،ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم ،ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم،وقد اسودت وجوههم وصاروا خلقا آخر،فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا : {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} وقال سعيد بن جبير:ينادي الرجل أباه أو أخاه فيقول له :قد احترقت فأفض علي من الماء .فيقال لهم أجيبوهم ،فيقولون : {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} وذلك جزاء لهم على كفرهم بآيات الله، واتخاذهم دينهم الذي أمروا أن يستقيموا عليه .{لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتها، فاطمأنوا إليها ورضوا بها ، وأعرضوا عن الآخرة ونسوها. {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} أي: نتركهم في العذاب {كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} فكأنهم لم يخلقوا إلا للدنيا، وليس أمامهم عرض ولا جزاء.وكانت نتيجة هذا اللعب واللهو وحب الدنيا أنهم جحدوا بآيات الله البينات.ولقد جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ} أي: بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج إليها الخلق {عَلَى عِلْمٍ} من الله بأحوال العباد في كل زمان ومكان، وما يصلح لهم وما لا يصلح .فصله وبينه من أحاط علمه بكل شيء، ووسعت رحمته كل شيء. {هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال، وبيان الحق والباطل، والغيّ والرشد، ويحصل أيضًا لهم به الرحمة، وهي: الخير والسعادة في الدنيا والآخرة .أخي المسلم /أختي المسلمة،تخيل انك في يوم القيامة والخلائق موقوفون للحساب وقد حان وقت الفصل بينهم. وبينما أهل الجنة ذاهبون اليها متشوقون وأهل النار اليها يساقون وجدت نفسك في مكان ربما لم تتخيل نفسك فيه أو ربما لم يخطر لك ببال أبدا. أتعرف أين أنت الآن ؟؟ انك واقف على الأعراف . لقد تساوت حسناتك وسيئاتك وبقيت في هذا المكان حتى يفصل الله عز وجل في أمرك .تخيل نفسك وأنت تقف و تنظر لأهل الجنة وهم ينعمون وتتمني أن تكون معهم والى أهل النار في السموم والزقوم وتدعو الله عزوجل أن لا يجعل مصيرك مثلهم.لكن، ماذا كان ينقصك يا أخي/ياأختي لتدخل الجنة أتعرف ماذا كان ينقصك ؟ شيء بسيــط جداً تنقصك حسنة واحدة فقط. نعم والله حسنة واحدة فقط. أتذكر يوم مررت على جيرانك أو أقاربك ولم تلق عليهم السلام ؟ ليتك سلمت عليهم .أتذكر يوم مررت على أخ /أخت لك ولم تتبسم في وجهه ؟ ليتك تبسمت فتبسمك في وجه أخيك / أختك صدقة .أتذكر يوم وجدت أذى ملقى على الطريق ولم تزله ؟ ليتك أزلته فإزالة الأذى من الطريق شعبة من الايمان.أتذكر يوم كنت جالسا /جالسة تضيع وقتك فيما لا ينفع ،بل فيما يضر ، الخوض في أعراض الناس وغيبة ونميمة ؟ ليتك جلست تذكر الله أو تستمع إلى درس .أتذكر يوم سكت عن قول كلمة حق، كان بإمكانك أن تقولها فتكتب في ميزان حسناتك؟ ليتك قلتها.أتذكر يوم منعت زكاة ما أنعم الله عليك به ؟ ليتك تصدقت بشق تمرة فأنجيت نفسك بتلك الحسنة من عذاب النار.أتذكر...أتذكر...أتذكر؟ اللائحة طويلة وهكذا ضيعت على نفسك ليس حسنة واحدة بل آلاف الحسنات والتي كانت كفيلة بأن تنجيك من هذا الموقف، موقف أصحاب الأعراف .فلتقف الآن مع نفسك وقفة جادة ،تحاسب فيها نفسك قبل يوم الحساب ولا تضيع بعد اليوم حسنة واحدة فلربما كنت في أمس الحاجة إليها يوم العرض على الله.
اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات،وطهر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونق سرائرنا من الشرور والبليات. اللهم باعد بيننا وبين ذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وثبتنا على الصراط المستقيم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا من المتقين الذاكرين الذين إذا أساءوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلح لي دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شرّ. اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك ونسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك منها غير مفتونين يا رب العالمين. اللهم اجعل خير عمرنا آخره وخير عملنا خواتمه وخير أيامنا يوم نلقاك .ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة و قنا عذاب النار و ادخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار. ." ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين." " ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين." عباد الله، يقول الله تبارك تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
جمعة 7 ربيع الثاني 1430 / 3 أبريل 2009
محمد وحيد الجابري .
{ خطيب مسجد الرحمن ـ دبيلت- هولندا }