ليس الضحك أمراً محرماً، ولذلك لا ينبغي للمسلم أن يكون عبوسًا مكفهر الوجه؛ فالضحك أمر جبلي طبيعي:﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾[النجم: ٤٣]. والابتسامة، مفتاح نتيجته مؤكدة ودواء مفعوله أكيد. الابتسامة تقرّب البعيد، وتهدّئ من حدة الغضبان وعن طريقها تدخل المرأة إلى شغاف قلب زوجها، ومن نعم الله تعالى على الإنسان أن يرزقه وجهًا مبتسمًا دائمًا، لا يعرف الحزن والهم والغم، يبتسم لكل موقف، لأنه يرضى بقضاء الله وقدره.
بين الضحك والتبسم: عرف أهل اللغة التبسم بأنه مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك؛ وإن كان بلا صوت فهو التبسم.قال سبحانه وتعالى:﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ﴾[النمل: ١٩]. قال الزجاج: التبسم أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وكانت البسمة أقرب ما تكون إلى قلب الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وشفتيه، بل كانت من ضمن وصاياه للناس؛ حتى رفع قدرها إلى مستوى الصدقة. اما الضحك فهو أعم من التبسم، فكل تبسم ضحك، وليس كل ضحك تبسمًا؛ وتسمى الأسنان في مقدم الفم: الضواحك، وهي الثنايا والأنياب وما يليها، وتسمى النواجذ وهي التي تظهر عند الضحك.قالت عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا ضاحكًا قطّ حتى أرى منه لهواته، وإنما كان يتبسم. " ولذلك كان هذا النوع من الضحك مخالفًا لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان لا يكثر الضحك ولا يقهقه، أي لا يرفع صوته به، بل كان وقورًا متزنًا هادئًا كما وصفه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان طويل الصمت قليل الضحك".وقال ابن حجر رحمه الله بعد أن استعرض عددًا من الأحاديث المتعلقة بالتبسم والضحك: " والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد في معظم أحواله عن التبسم، وربما زاد على ذلك فضحك؛ والمكروه في ذلك إنما هو الإكثار منه أو الإفراط؛ لأنه يُذهب الوقار".
من أنواع الضحك:
ضحك التعجب: قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [هود:٦٩-٧٢]، فضحكها كان للتعجب.
ضحك الفرح: قال الله تعالى:﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾[عبس:٣٣-٤٢]. فالمؤمن إذا رأى يوم القيامة ما وعده الله من النعيم سر لذلك واستبشر وضحك.
ضحك التهكم والسخرية: قال الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾[المطففين:٢٩-٣٠]، وإنما يكون ذلك في الدنيا، كما كان كفار قريش يضحكون من ضعف المؤمنين في أول الإسلام، وقبل أن تقوم لهم دولة.
ضحك الغضب: فقد يكون الغضب أحيانا دافعا للضحك، وهو كثيرًا ما يعتري الغضبان إذا اشتد غضبه. وسببه: شعور الغضبان بالقدرة على خصمه، وأنه في قبضته، وقد يكون ضحكه لملكِهِ نفسَه عند الغضب، وإعراضه عمن أغضبه، وعدم اقتدائه به.وهناك أنواع أخرى من الضحك، مثل ضحك الملاطفة أو الترحيب، وضحك الفوز عند الانتصار، وضحك التسلية، وكذلك الضحك في الحالة الهستيرية والجنون.
مشروعية الضحك والابتسام: الضحك صفة في الإنسان، وهو مما جبل الله عز وجل الإنسان عليه، وجمعه مع ضده، فكما أنه خلق الموت والحياة، وخلق الذكر والأنثى فكذلك جل شأنه:﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾[النجم:٤٣]، بل إن الضحك صفة من صفات الباري جل جلاله، ففي مسند الإمام أحمد رحمه الله، عند أبي رزين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره»؛ فقال أبو رزين: أو يضحك الرب عز وجل؟ قال: «نعم»، فقال: لن نعدم من رب يضحك خيرا. " فعند أهل السنة والجماعة أن الضحك صفة حقيقية لله جل جلاله، يضحك ربنا لكن ليس كضحك المخلوقات، على حد قوله تعالى:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى:١١]. ومما ورد أيضا في ضحك الله عز وجل الحديث المتفق عليه: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما في الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله عز وجل فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل، فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد ". والنبي صلى الله عليه وسلم كان ضحكه التبسم، وكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه. وعلى الرغم من كونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً من الأنبياء يتلقّى الوحي من السماء، غير أن المشاعر الإنسانية المختلفة تنتابه كغيره من البشر، وتمر به حالات من الضحك والبكاء، والفرح والحزن، وتبرز قيمة العنصر الأخلاقي في حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وضع هذه المشاعر المتباينة في إطارها الشرعي، حيث صانها عن الإفراط والتفريط، بل أضاف لها بُعْداً راقياً حينما ربطها بقضيّة الثواب والاحتساب، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) رواه الترمذي. وعن أبى ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم – (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلِق (رواه مسلم. ولا شك أن من مكارم الأخلاق إدخال السرور على المسلم ، ومن ثم فقد كان مزاحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تأليفا ومداعبة ، وتفاعلا مع أهله وأصحابه ، وإدخالا للسرور عليهم ، وكان مشتملاً على كل المعاني الجميلة ، والمقاصد النبيلة ، فصار من شمائله الحسنة ، وصفاته الطيبة ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قال عبيد الله بن المغيرة : سمعت عبد الله بن الحارث قال : ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رواه الترمذي .
فالضحك والمزاح أمر مشروع كما دلت على ذلك النصوص القولية ، والمواقف الفعلية للرسول ـ صلي الله عليه وسلم - ، وما ذلك إلا لحاجة الفطرة الإنسانية إلي شيء من الترويح ، يخفف عنها أعباء الحياة وقسوتها ، وهمومها وأعبائها ، ولا حرج فيه ما دام منضبطا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يترتب عليه ضرر ، بل هو مطلوب ومرغوب ، لأن النفس بطبعها يعتريها السآمة والملل ، فلا بد من فترات راحة ، وليس أدل على مشروعية الضحك والمزاح والحاجة إليه ، مما كان عليه سيد الخلق وخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يداعب أهله ، ويمازح أصحابه ، ويضحك لضحكه .وقد سئل ابن عمر رضي الله عنهما هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟، قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل. وقال بلال بن سعد: أدركتهم يضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل لا، كانوا رهبانا.
المزاح والضحك في هدي وحياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقيد بضوابط لابد أن تُراعى ، منها :
1ـ ألا يقع في الكذب ليضحك الناس ، ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "ويل للذي يحدث فيكذب ، ليضحك القوم ، ويل له ، ويل له، ويل له " رواه الترمذي .وقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمزح ويضحك ولا يقول إلا حقا وصدقا ، ومن ثم فينبغي ألا يشتمل المزاح والضحك علي تحقير لإنسان آخر ، أو استهزاء به وسخرية منه ، قال الله تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات:11 .وقال ـ صلى الله عليه وسلم:" بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "
2ـ ألا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما) رواه أبو داود .وأن يكون بقدر يسير معقول ، وفي حدود الاعتدال والتوازن ، الذي تقبله الفطرة السليمة ، ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( يا أبا هريرة أقل الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجة.
المواقف التي مزح وضحك فها النبي صلى الله عليه وسلم :
مع أمته: عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: (بينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيت بعض نسائه، إذ وضع رأسه فنام، فضحك في منامه، فلما استيقظ قالت له امرأة من نسائه: لقد ضحكت في منامك فما أضحكك؟ قال :( أعجب من ناس من أمتي يركبون هذا البحر هول العدو، يجاهدون في سبيل الله، فذكر لهم خيرا كثيرا) رواه أحمد، وفي رواية: (يركبون هذا البحر كالملوك على الأسِرَّة). وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا ، كذا وكذا ، فيقول نعم ، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا، فلقد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضحك حتى بدت نواجذه (رواه مسلم .
مع أصحابه :عن جرير رضي الله عنه قال: ( ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ) وفي رواية : ( ما حجبني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك ) رواه ابن ماجه . وعن أنس رضي الله عنه: ( أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : احملني ،قال النبي صلى الله عليه وسلم إنا حاملوك على ولد ناقة ،قال : وما أصنع بولد الناقة ؟!، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهل تلد الإبل إلا النوق ) رواه الترمذي .فكان قوله صلى الله عليه وسلم مداعبة للرجل ومزاحاً معه ، وهو حق لا باطل فيه . وعن عبد الله بن مغفل قال: ( أصبت جرابا من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمته (احتضنته) ، فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، قال : فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما ) رواه مسلم .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:( قالوا يا رسول الله : إنك تداعبنا ،قال :نعم ،غير أني لا أقول إلا حقا ) رواه الترمذي .
واستأذن عمر رضي الله عنه في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر تبادرن بالحجاب، فأذن له النبي فدخل، والنبي يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فقال: «عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب»، فقال: أنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثم أقبل عليهن فقال: يا عدوّات أنفسهن أتهبنني ولم تهبن رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إيه يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ".
ومن المواقف التي ضحك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكاه أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله، وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك؛ فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء".
ومن ذلك ما حكاه صهيب الرومي رضي الله عنه، قال: قدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ادنُ فكل» فأخذت آكل من التمر، فقال النبي: «تأكل تمرًا وبك رمد؟» قال: فقلت: إني أمضغ من ناحية أخرى! فتبسم رسول الله.
مع الأطفال: عن أنس رضي الله عنه قال :(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خَلَقا ، فأرسلني يوما لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي ، قال : فنظرت إليه وهو يضحك، فقال : يا أنيس ، أذهبت حيث أمرتك ؟ قال : قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله ) رواه مسلم . وكان صلى الله عليه وسلم يمازح أنس رضي الله عنه قائلا : ( يا ذا الأذنين ) رواه أبو داود .وعن أنس رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، وكان إذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير) ( طائر صغير) رواه البخاري.
مع زوجاته :عن عائشة رضي الله عنها قالت:( خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره و أنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ،فقال للناس : تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي :تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته ، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم و بدنت و نسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : تقدموا، فتقدموا ، ثم قال :تعالي حتى أسابقك ،فسابقته فسبقني ،فجعل يضحك وهو يقول :هذه بتلك) )رواه أحمد) وروى أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت:( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها له ، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها ، فقلت لها : كلي ، فأبت، فقلت : لتأكلنَّ أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فوضع فخذه لها ، وقال لسودة :لطخي وجهها ، فلطخت وجهي ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ) . ودخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوما على عائشة وهي تلعب بلعب لها ، فقال لها : ( ما هذا ؟ ، قالت : بناتي، قال ما هذا الذي في وسطهن ؟ قالت : فرس، قال : ما هذا الذي عليه ؟ ، قالت : جناحان ، قال : فرس لها جناحان ؟ ، قالت : أو ما سمعت أنه كان لسليمان بن داود خيل لها أجنحة ؟! ، فضحك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى بدت نواجذه ) رواه أبو داود .
لا يوجد من هو أكثر اهتماما بالدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس هناك من تعددت لديه الواجبات كما تعددت لدى الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إماما للناس ، ومعلما للدين ، وحاكما وقاضيا ، وقائدا للجيوش ، كما كان أبا رحيما ، وزوجا بارا ، وصاحبا وفيا ، ومع هذا كله فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضحاكًا بساماً ، يربي ويهذب بالابتسامة والممازحة ، فلضحكاته منافع ، ولابتساماته وممازحاته مقاصد وفوائد ، ولو ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق الابتسامة إلى العبوس ، لأخذ الناس أنفسهم بذلك ، على ما فيه من مخالفة الفطرة من المشقة والعناء.قال الإمام النووي: " المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله “. وقال رجل لسفيان بن عيينة: المزاح هجنة أي مستنكر؟!، فقال: " بل هو سُنَّة، ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه “.
ذ. محمد الجابري
جمعة 21 ربيع الأول 1427 / 19 ماي 2006
مسجد الرحمن ـ دبيلت / هولندا