يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز:(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)،الشعائر: جمع شعيرة، وهي كل ما أمر الله به من أمور الدين،وكل ما وجبت علينا طاعة الله فيه.وتعظيم شعائر الله إجلالها وإحلالها المكانة الرفيعة في المشاعروالقلوب، وأداؤها برغبة ومحبة وشغف. شعائرالله تحيط بحياتنا كلها، وهي متنوعة ومتعددة؛ منها الشعائر الزمانية كشهررمضان شهرالبعثة، بها عرف الإنسان التوحيد، وظهرت شمس الإسلام.
وهو شهر القرآن ذلك النور الذي كشف ظلمات الجهل والظلم، وهو شهر المغفرة والعتق من النار.عظمته في قلوبنا واجبة، ودليلها هوصومنا وتقربنا إلى الله بالعبادة والأعمال الصالحة.من شعائر الله الزمانية كذ العشر الأوائل من ذي الحجة؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ - يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ- قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ؟! قَالَ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ."رواه الإمام أحمد.وعظمت العشرمن ذي الحجة لاشتمالها على يوم عرفة فضلا عن يوم النحر،ومما عظم به يوم عرفة وهو تاج عشر ذي الحجة، انه كان وعاء زمنيا لختم شريعة الإسلام وأحكام الوحي المنزل للناس من رب العالمين، حيث نزل فيه قوله تعالى من سورة المائدة:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..) وحق ليوم نزلت فيه هذه الآية الموذنة بكمال الشريعة وتمام النعمة ،أن يكون عيدا لولا أنه سبق في حكم الله تشريع عيدين في العام لهذه الأمة. روى البخاري في صحيحه أن رجلا من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين،إنكم تقرءون آية في كتابكم لوعلينا معشراليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا،فقال:أي آية هي ؟ قال :(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فقال عمر:والله ،إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية يوم عرفة ،في يوم جمعة . "
ومن شعائر الله الزمانية يومنا هذا يوم الجمعة؛ جاء في صحيح مسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ".ومن شعائر الله كذلك: ساعة يوم الجمعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّى يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ" رواه الإمام مالك.
ثم هناك الشعائر المكانية؛ كالمسجد الحرام،والمسجد النبوي،والمسجد الأقصى،يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" رواه الإمام أحمد .ومن الشعائر المكانية أيضاً: كل بيوت الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحب البلاد إلى الله مساجدها" رواه الإمام مسلم.ومن شعائر الله: كل أمر فيه طاعة الله من صلاة وزكاة وصوم وحج،وكل عمل صالح مع خلق الله سواء كان من المسلم إلى المسلم أوإلى غير المسلم . فالمسلم مسالم مع خلق الله جميعا فبالأحرى مع اخيه في الدين. ثبت من توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وفي أوسط أيام الأضحى أن خاطب جموع الصحابة بقوله: "أليس هذا يوم حرام؟ أي عظـّم الله حرمته قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإن حرمتكم بينكم إلى يوم القيامة كحرمة هذا اليوم، ثم أنبئكم من المسلم؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأنبئكم من المؤمن؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال المؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم، وأنبئكم من المهاجر؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال المهاجر من هجر السيئات وهجر ما حرم الله عليه، والمؤمن حرام على المؤمن كحرمة هذا اليوم لحمه عليه حرام أن يأكله أو يغتابه بالغيب، وعرضه عليه حرام أن يخرقه، ووجهه عليه حرام أن يلطمه، ودمه عليه حرام أن يسفكه، وحرام عليه أن يدفعه دفعة يغشه". رواه المروزي.
والمسلم كذلك مسالم مع ما حوله من حيوان ونبات وجماد؛ فقد دخلت امرأة النار في هرة ربطتها حتى ماتت؛ ودخلت أخرى الجنة في كلبٍ سقته الماء فأعادت له الحياة، ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة الجارية من غرس غرساً؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "لاَ يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ طَيْرٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" رواه الإمام مسلم.فكل عمل صالح هو من شعائر الله؛ وكما عظم الله شعائره، وجب على المؤمنين تعظيمها وتقديرها حق قدرها .
عباد الله ،إن مما يجب على المسلم الذي يريد أن يؤسس بيته على تعاليم الإسلام وشرائعه؛ أن يُعَرِّف بيته وأبناءه بالإسلام, وأن يعظم شعائر الله في قلوبهم, وأن يعظم الحدود التي أمر الله بحفظها, ومعنى ذلك أن تربي في نفوس أهل بيتك تعظيم الله, فلا يكون أحدٌ في قلوبهم أعظم من الله, ولا أجل من الله, ولا أحب من الله,ومن أمور التعظيم, تعظيم كتاب الله فتحبب إليهم القرآن, وتجعل القرآن من أعظم اهتماماتهم في الحياة, فقد عظم الله قرآنه وباركه ؛ فقال عزمن قائل:( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
ثم علمهم شيئًا من حديث المصطفى فتعظم في قلوبهم سيرة رسول الهدى وتعظم في أنفسهم جهوده وجهاده .وسيرة اصحابه والتابعين وسيرة الصالحين من هذه الأمة, حتى يكون هؤلاء الأخيارهم النجوم عند أبنائنا,لا نجوم الرياضة ولا نجوم الغناء؛وما هم بنجوم لأن النجوم الحقيقية لا تاأفل ولا تموت.
( دخل سليمان بن عبد الملك الحرم، ومعه الوزراء، والأمراء، , والحاشية، والجيش، فقال: مَن عالم مكة؟ قالوا: عطاء بن أبي رباح، قال: أروني عطاء هذا، فأشرف عليه، فوجده عبدًا، كأن رأسه زبيبة مشلولاً نصفه، أزرق العينين، مفلفل الشعر، لا يملك من الدنيا درهمًا ولا دينارًا، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح الذي طوّق ذكرك الدنيا؟ قال: يقولون ذلك، قال بماذا حصلت على هذا العلم، قال: بترك فراشي في المسجد الحرام ثلاثين سنة، ما خرجت منه، حتى تعلمت العلم، قال سليمان: أيها الحجاج لا يفتي في المناسك إلا عطاء.) لقد تحققت عظمة ذلك الجيل الفريد يوم اتصلوا بالواحد الأحد، فعظموا أمره والتزموا طريقه .عرفوا الله عزّ وجلّ، فَعَرَّفهم الله عز وجل على منازل الصديقين.اللهم افتح مسامع قلوبنا لذكرك وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك وعملا بكتابك .ادعو الله عسى أن تكون ساعة استجابة.
الحمد لله {الذي يقبل التوبة عن عباده.ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد.} الشورى 25/26. واشهد أن لاإله إلا الله الملك الحق المبين واشهد أن محمدا رسول الله إمام الأنبياء وسيد المصلحين.اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.عباد الله: بعد ما تقدم من ضرورة تعظيم شعائر الله يبقى السؤال المحير : هل المسلمون اليوم يعظمون شعائر الله ؟ بدءا من الصلاة التي نؤديها خمس مرات في اليوم إلى التعامل مع كتاب الله إلى رمضان إلى مناسك الحج وهلم جرا؟ هل من يطوف بالبيت وهو يلتقط الصور ويتحدث إلى اهله واصدقائه بالواتساب يعظم شعائر الله ؟هل من يقف أمام قبررسول الهدى صلى الله عليه وسلم ويحرص على أخد صورة له سلم على رسول الله وصاحبيه ؟هل عظم شعيرة الزمان والمكان ؟ أي خلل في التفكيروشلل في التعامل مع شعائر الله .؟هل من يسفك الدماء وييتم الطفال يعظم شعائر الله زمانا أو مكانا؟؟ أين الوفاء لتعاليم الاسلام وكيف نعرض الاسلام،دين الرحمة والخيرعلى الآخرين وكثير من بلاد الاسلام متخلفة ، تنهشها الفرقة والتشرذم.الحج ليس عبادة فردية لا في ديننا ولا في تاريخنا ..الحج ليس رحلة ميتة ..هل يعود حجاجنا وقد تدارسوا قضاياهم وتعاهدوا على التعاون على محاربة الفساد في بلدانهم أم عادوا مكتفين بأن يحملوا لقب الحاج والكثير من الهدايا؟
جاء هشام بن عبد الملك الخليفة، أخو سليمان، فحج البيت الحرام، فلما كان في الطواف، رأى سالم بن عبد الله بن عمر، الزاهد العالم العارف، وهو يطوف، وحذاؤه في يديه، وعليه عمامة وثياب، لا تساوي ثلاثة عشر درهمًا، فقال له هشام: يا سالم: أتريد حاجة أقضيها لك اليوم، قال سالم: أما تستحي من الله، تعرض عليَّ الحوائج، وأنا في بيت من لا يُعْوِزُني إلى غيره، فاحمر وجه الخليفة، فلما خرج من الحرم، قال: هل تريد شيئًا؟ قال:أمِن حوائج الدنيا، أم من حوائج الآخرة؟ قال: أما حوائج الآخرة فلا أملكها، لكن من حوائج الدنيا، قال سالم: والله الذي لا. إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا مِن الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك ؟!.
محمد وحيد الجابري
جمعة 6 ذو الحجة 1439 / 17 غشت 2018
المركز الاسلامي ـ آيسلستاين / هولندا