اشتهر عدد من الصحابة بإقراء القرآن، منهم: عثمان،وعلي، وأبي بن كعب،وزيد بن ثابت،وابن مسعود، وأبوالدرداء، وأبو موسى الأشعري. وأخذ التابعون عن الصحابة، واشتهر عدد من التابعين بالقراءة، في كل من المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام، واشتهر من قراء التابعين عدد منهم انصرفوا إلى العناية بالقرآن، وقاموا بضبطه، وانشغلوا بحفظه، وتفرغوا لإقرائه وتعليمه.
اختلف العلماء في مدى اشتمال المصاحف العثمانية على جميع الأحرف السبعة على قولين:
القول الأول: ذهب جماعة من القراء والفقهاء والمتكلمين إلى أن المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة، وبنوا هذا الرأي على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة، وهذا المصحف الذي أجمعت الأمة عليه وعلى ترك ما سواه لا يمكن أن يهمل الأحرف السبعة...
القول الثاني: ذهب جمهور السلف والخلف إلى أن هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل.
وعلق ابن الجزري على هذا القول بقوله:وهذا القول هو الذي يظهر صوابه، لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له، وفي معرض الرد على الإشكال الذي طرحه أصحاب الرأي الأول استشهدوا لكلام الإمام محمد بن جرير الطبري أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة، وإنما كان ذلك جائزا لهم ومرخصا فيه، وقد جعل لهم الاختيار في أي حرف قرءوا به، كما في الأحاديث الصحيحة، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد اجتمعوا على ذلك اجتماعا سائغا وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور، وقال بعضهم:إن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو أوفق لهم أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة.
أول من ألف في القراءات :وأول من قام بجمع القراءات وضبطها في كتاب هو أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـ، وقام بهذا العمل العظيم بعد أن تعددت القراءات وكثر القراء، وخاف من فتنة وفوضى واضطراب، فتصدى لهذا العمل العظيم، حيث قام بضبط بعض القراءات، وجمع خمسا وعشرين قراءة، ثم جاء بعده أحمد بن جبير الكوفي سنة 258 هـ، وجمع خمس قراءات من كل مصر، ثم جاء بعد ذلك القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي فألف كتابا في القراءات وجمع فيه عشرين قراءة، ثم جاء بعد ذلك الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310، فألف كتابه الجامع، وجمع فيه أكثر من عشرين قراءة، ثم تتالت المؤلفات والمصنفات في القراءات، ثم انتقلت هذه القراءات إلى الأندلس في أواخر القرن الرابع، وكان أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي مؤلف كتاب (الروضة) أول من أدخل القراءات إلى الأندلس ثم تبعه مكي بن أبي طالب القيسي مؤلف التبصرة، ثم الحافظ أبو عمرو الداني مؤلف التيسير وجامع البيان...ثم استمرت حركة التأليف في القراءات، ولم ينكر أحد على أحد قراءته ما دامت تلك القراءة خاضعة للمقاييس التي وضعها علماء القراءات، من حيث موافقتها للمصاحف العثمانية وثبوت نقلها عن القراء الثقات الذين نقلوها عن الصحابة...ورد (ابن الجزري) في كتابه (النشر) على من حدد القراءات بعدد أو اعتبر أن القراءات المقبولة هي سبع قراءات، ظنا منهم أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة الواردة في الحديث... وعلل اقتصار أهل الأمصار على القراء السبعة المشهورين، بأنه من باب الاختصار، وذهب إليه بعض المتأخرين لقطع الطريق على القراءات الشاذة، وأنكر على ابن مجاهد سبع هؤلاء السبعة فعله في تحديد القراءات بالسبع، فقد فعل ما لا ينبغي أن يفعله، وأشكل الأمر على العامة حتى جهلوا ما لم يسعهم جهله.
القراء السبعة :اشتهر عدد من الصحابة بإقراء القرآن، هم: عثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري...وأخذ التابعون عن الصحابة، واشتهر عدد من التابعين بالقراءة، في كل من المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام، واشتهر من قراء التابعين عدد منهم انصرفوا إلى العناية بالقرآن، وقاموا بضبطه، وانشغلوا بحفظه، وتفرغوا لإقرائه وتعليمه.
أبرز قراء التابعين :
- قراء المدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، شيبة بن نصاح، نافع بن أبي نعيم...
- قراء مكة: عبد الله بن كثير، حميد بن قيس الأعرج، محمد بن محيصن.
- قراء الكوفة: يحيى بن وثاب، عاصم بن أبي النجود، سليمان الأعمش، حمزة، الكسائي.
- قراء الشام: عبد الله بن عامر، عطية بن قيس الكلابي، إسماعيل بن عبد الله ابن المهاجر، يحيى بن الحارث الذماري، شريح بن يزيد الحضرمي.واشتهر من هؤلاء سبعة قراء، عرفوا بالقراءة السبعة، اختارهم أبو بكر بن مجاهد البغدادي شيخ القراء ببغداد، وهم:
الأول: ابن عامر:هو أبو عمران عبد الله بن عامراليحصبي، المتوفى سنة 118 هـ، كان من التابعين، وإمام أهل الشام وقاضيهم وشيخ القراء بدمشق وإمام المسجد الأموي، أخذ القراءة عن المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، وعن أبي الدرداء، واشتهر برواية قراءته كل من هشام وابن زكوان وكانا من أبرز قراء الشام.
الثاني: ابن كثير:هو عبد الله بن كثير الداري ويكنى بأبي معبد توفي سنة 120 هـ، وكان شيخ مكة وإمامها في القراءة، لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك، واشتهر بالرواية عنه كل من البزي وقنبل وكانا من أبرز قراء مكة.
الثالث: عاصم:هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود الأسدي، المتوفى بالكوفة سنة 127 هـ، وكان عاصم شيخ القراء بالكوفة، ومن أكثرهم فصاحة وإتقانا، وروى عنه قراءته كل من شعبة وحفص.
الرابع: نافع:هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني المتوفى سنة 167 هـ، أخذ القراءة عن سبعين من التابعين، وهم أخذوا قراءتهم عن ابن عباس وأبي هريرة عن أبي بن كعب، كان (نافع) شيخ القراء بالمدينة واشتهر بالرواية عنه كل من قالون وورش...
الخامس: الكسائي:هو أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي المتوفى سنة 189 هـ، وكان الكسائي أعلم الناس بالنحو، وكان فارسي الأصل، وانتهت إليه الرئاسة في الكوفة في القراءة والنحو واللغة، وكان يجلس على منبر الكوفة فتضبط المصاحف بقراءته...واشتهر بالرواية عنه كل من أبي الحارث والدوري.
السادس: أبو عمرو:هو أبو عمرو زيان بن العلاء بن عمار المازني البصري المتوفى سنة 154 هـ، كان إمام البصرة، وأعلم الناس بالقرآن والعربية، وكان يلقب بسيد القراء، واشتهر بالرواية عنه كل من الدوري والسوسي.
السابع: حمزة:هو أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي مولى عكرمة المتوفى سنة 156 هـ، وكان من تابعي التابعين، وعرف بالورع والتقى، واشتهر بالحديث والفرائض، واشتهر عنه كل من خلف بن هشام وخلاد بن خالد.هؤلاء هم القراء السبعة الذين اختارهم ابن مجاهد، واعتبرهم أبرز قراء عصرهم الذين خلفوا التابعين في القراءة، واشتهر أمرهم في الشام والعراق والحجاز...
القراءات الثلاث المكملة للعشر:
1- قراءة أبي جعفر:وهو أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المتوفى سنة 130 هـ، وكان من التابعين، وكان إمام المدينة المنورة، وروى مجاهد عن أبي الزناد قوله: لم يكن بالمدينة أحد أقرأ للسنة من أبي جعفر، أخذ قراءته عن ابن عباس وأبي هريرة عن أبي بن كعب، اشتهر بالرواية عنه كل من أبي موسى بن وردان المدني وأبي الربيع سليمان بن حجاز...
2- قراءة يعقوب:وهو أبو محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري، المتوفى سنة 205 هـ، وكان إماما في القراءة، وانتهت إليه رئاسة القراء بالبصرة بعد أبي عمرو، وصفه أبو حاتم السجستاني بأنه كان أعلم من رآه بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهب النحو وأروى الناس لحروف القرآن.واشتهر بالرواية عنه كل من روح بن عبد المؤمن، ومحمد بن المتوكل المعروف برويس وكان من أحفظ أصحاب يعقوب...
3- قراءة خلف:هو أبو محمد خلف بن هشام البزار المتوفى سنة 229 هـ، واشتهر بالرواية عنه كل من أبي يعقوب المروزي البغدادي وأبي حسن إدريس الحدّاد البغدادي..
القراءات الأربعة الشاذة:
1- قراءة الحسن البصري إمام البصرة المتوفى سنة 110 هـ.
2- قراءة ابن محيصن المكي المتوفى سنة 123 هـ.
3- قراءة اليزيدي البصري المتوفى سنة 202 هـ.
4- قراءة الأعمش الأسدي المتوفى سنة 148 هـ.
والقراءات السبع متواترة بالإجماع، ووقع خلاف في الروايات الثلاثة المكملة للعشرة، وهي قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف، والصحيح عند العلماء أن الروايات الثلاث المكملة للعشر متواترة، ولا تختلف من حيث التواتر عن القراءات السبع، وأنكر علماء القراءات التفريق بين القراءات العشر من حيث التواتر، واعتبروا أن هذا التقسيم بين القراءات السبع والقراءات الثلاث المكملة للعشر، لا يعتمد على دليل.ولا شك أن معيار القراءة الصحيحة هي ما صح سندها ووافقت العربية ولو بوجه ووافقت خط المصحف الإمام، فإذا انتفى شرط من هذه الشروط اعتبرت القراءة شاذة، ولا تجوز الصلاة بالقراءة الشاذة، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، فإذا جاءت رواية أحادية في كيفية نطق كلمة لا تقبل، وإن توافرت فيها شروط الصحة، لأنه يشترط في الثبوت أن يصل إلى درجة الشهرة وتلقّي الأمة لهذه القراءة بالقبول، وهذا دليل على التواتر والقطعية.. . والتشدد في المعايير المرتبطة بثبوت القرآن فضيلة لأنه يؤكد حجم العناية بكتاب الله، ويؤكد في نفس الوقت أن العلماء تشددوا أقوى ما يكون التشدد في قبول القراءات لئلا يقع أي التباس أو شبهة في قطعية القراءات القرآنية...وهذا المنهج العلمي الذي نجد ملامحه واضحة في كتب القراءات لا يترك أي ثغرة في مجال إثبات قطعية القرآن، من حيث القراءة والأداء، وهو يتحدى كل المناهج العلمية من حيث الدقة، ويزيل كل شبهة، ولا يترك مجالا للشك أو التردد، وعلم علمي كهذا لا يمكن إلا أن يقع الاعتراف بعظمته والثقة بنتائجه والاطمئنان إلى سلامته.ونقل الزركشي عن (مكي) قوله:والسبب في اشتهار هؤلاء السبعة دون غيرهم أن عثمان رضي الله عنه لما كتب المصاحف، ووجهها إلى الأمصار، وكان القراء في العصر الثاني والثالث كثيري العدد، فأراد الناس أن يقتصروا في العصر الرابع على ما وافق المصحف، فنظروا إلى إمام مشهور بالفقه والأمانة في النقل، وحسن الدين وكمال العلم قد طال عمره واشتهر أمره، وأجمع أهل مصر على عدالته، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمان مصحفا إماما هذه صفة قراءته على مصحف ذلك المصر، فكان أبو عمر من أهل البصرة، وحمزة وعاصم من أهل الكوفة وسوادها، والكسائي من العراق، وابن كثير من أهل مكة، وابن عامر من أهل الشام، ونافع من أهل المدينة، كلهم ممن اشتهرت إمامتهم وطال عمرهم في الإقراء وارتحل الناس إليهم من البلدان.وعلّل الهروي في كتابه الكافي التفريق بين القراءات بقوله:ثم إن التمسك بقراءة سبعة فقط ليس له أثر ولا سنة، وإنما السنة أن تؤخذ القراءة إذا اتصلت روايتها نقلا وقراءة ولفظا، ولم يوجد طعن على أحد من رواتها، ولهذا المعنى قدمنا السبعة على غيرهم وكذلك نقدم أبا يعقوب وجعفر على غيرهما.ومعيار القراءة الصحيحة واضح لدى جميع العلماء، ولا مجال للخلاف فيه، وأكد هذا الشيخ شهاب أبو شامة بقوله: كل قراءة صحيحة معتبرة، فإذا اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة.