( لحظة قصيرة جدا على نهر السين )
ولتكن الحضارة بهذه الصفة..وهذا الشكل.. وهذه المواصفات..لتكن حضارتكم بهذا اللون الغارق في الضبا والورد الأحمر..ولكن رجاءً لا تفرضوا على الآخرين ما أنتم عليه..وما تحسبونه عظيما ورائعا وسبْقا ، فالكثير من ألوانكم أصبح باهتا ،والبعض الآخر اهترأ وجفَّ ..والبقية تأتي ...باريس 13 يونيو 2011
باريس الأنوار.هكذا يسمونها أو كانوا ،إذ مع حلول عصر الحفاظ على الطاقة وإنتاج العديد من أشكال الضوء الباهت ، حلت على باريس لعنة الظلام ، وابتلعت مياه نهر السين ما تبقى من ضوء على ضفافه وأضحت القناطر المرصعة بأقفال العشاق والمحبين والشواذ يابسة من شفاعة نوتردام لهم بطول الالتحام والمودة. عجبت من حضارة باريس الأنوار وأنا أعبر قنطرة المحبين المرصعة بالمئات من شتى أنواع وألوان الأقفال. على كل قفل تقرأ اسمين كاملين أو حروفا دالة على أسماء المتعاقديْن : رجل وامرأة أو رجلين...؟ أو امرأتين أقفال بعضها فوق بعض .. غطت قضبان الحديد .. مطلة على الوادي ..طامعة في بركة السين أو ساكنيه أو تيمنا بالقنطرة التي مرت عليها في الماضي البعيد "ماري أنطوانيت".
فرنسا الحرية..باريس الأنوار..تزينها أقفال أغلقت بإحكام على القلوب ..أين عقول أبناء ديكارت وروسو؟. . . فرنسا الضوء غارقة في الظلام ..في الجهل..في الفقر..ومع هذا وذاك ،ففرنسا تحشر أنفها بقوة ومكر في ليبيا مدافعة عن نصيبها في حقول النفط ..وفرنسا تتدخل بقوة ومكر في ساحل العاج من اجل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان الأبيض ...وفرنسا تطلب من مجلس الأمن أن يفرض عقوبات على سوريا في حين لا يعنيها أن يتمادى نتنياهو في سياسة تهويد القدس وتفريخ المستوطنات ..
وأنا أتأمل نهر السين والأقفال المضروبة على عنقه ،بدت لي فرنسا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، عارية من كل مبادئها ..متجردة من كل ما يربطها بقيم الإنسان المتحضر .. بدت لي فرنسا غارقة في جهل كبير بحقوق الإنسان وبقيم الحضارة .
محمد وحيد الجابري
11ـ 11 ـ 2011 بلتهوفن / هولندا