12022024الإثنين
Last updateالجمعة, 17 تشرين2 2023 8pm

أنشطة جمعية الأندلس

مناقب الفقهاء السبعة ـ 3

العلماء

3 ـ عروة بن الزبيرعروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي (23-94 هـ)، تابعي جليل، يُكنى بأبي عبد الله،عالم أهل المدينة وأحد فقهائها السبعة، كان ثقة فقيهاً علماً ثبتاً حجة. كثير الحديث عالماً بالسير وهو أحد أبناء الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها( ذات النطاقين ) وخالته عائشة بنت أبي بكر رضي الله ( أم المؤمنين زوج رسول الله عليه الصلاة والسلام ) وأخوه الأكبر عبدالله بن الزبير( الصحابي العالم المجاهد وهو من طاف بالكعبة المشرفة سباحة حين أحاطت بها السيول من كل جانب)

فاق عروة ابن الزبير كثيراً من أهل زمانه في طلب العلم وأصبح من أبرز علماء المدينة وأحد الفقهاء السبعة في عصره، حيث تفقه على يد خالته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، وروى عنها الكثير من الأحاديث، وكان يقول عنها: " لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج، وأنا أقول : لو ماتت اليوم ما ندمت على حديثٍ عندها إلا وقد وعيته " ، كما روى الحديث عن عدد من الصحابة منهم والده الزبير بن العوام وأبو هريرة وزيد بن ثابت وجابر، وابن عمر، وابن عباس، وأبو أيوب الأنصاري وحكيم بن حزام، والمغيرة بن شعبة، وكان يقول: " لقد كان يبلغني عن الصحابي الحديث فآتيه، فأجده قد قال فأجلس على بابه، ثم أسأله عنه، وعن ابن أبي الزناد قال: حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن، قال: " دخلت مع أبي المسجد، فرأيت الناس قد اجتمعوا على رجل، فقال أبي :انظر من هذا، فنظرت فإذا هو عروة، فأخبرته وتعجبت، فقال :يا بني، لا تعجب ،لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه "
يعد عروة بن الزبير من أول من صنف في المغازي كما ذكر الواقدي وقد وصلت إلينا كثير من مروياته في المغازي متفرقة في كتب التاريخ، من أشهرها السيرة لابن هشام، والمغازي للواقدي، والطبقات لابن سعد، وتاريخ الرسل والملوك للطبري، والبداية والنهاية لابن كثير، وغيرها من كتب التاريخ.

عبادته وصبره :كان عروة بن الزبير كثير الصيام وقراءة القرآن والصلاة والاستغراق فيها، وكان من خشوعه وتبتله في صلاته أنها تكاد تنسيه ما حوله، وقصته مشهورة عندما أصيبت رجله بالأكلة فقد سافر من المدينة إلى دمشق، وفي الطريق أصيبتْ رجلُه بأَكَلَةٍ، ولم يَكَد يَصِل دمشق حتى كانت نصفُ ساقه قد تلِفتْ، فدخل على الخليفة الوليد بن عبدالملك، فبادر الوليد باستدعاء الأطبَّاء العارفين ، فأجمعوا على أن العلاج الوحيد هو قطعها قبل أن يَسريَ المرض إلى الرِّجل كلِّها حتى الوَرِك، وربما أكلتِ الجسمَ كله، فوافق عروةُ بعد لأْيٍ على أن تُنْشَر رِجله، وعرض عليه الأطباء إسقاءه مُرْقِدًا؛ حتى يغيب عن وعيه فلا يشعر بالألم، فرفض عروة ذلك بشدة قائلاً: لا والله، ما كنت أظن أحدًا يشرب شرابًا، أو يأكل شيئًا يُذهِب عقلَه، ولكن إن كنتم لا بُدَّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة؛ فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به، فقطعوا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي؛ احتياطًا أن لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي، فما تضوَّر ولا اختلج، فلما انصرف من الصلاة عزَّاه الوليد في رجله، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا، ولئن كنتَ أخذتَ فقد أبقيتَ، وإن كنتَ قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ، فلك الحمد على ما أخذتَ وعلى ما عافيتَ، اللهم إني لم أمشِ بها إلى سوء قط. وكان قد صحب بعضَ بنيه، ومنهم ابنه محمد الذي هو أحب أولاده إليه، فدخل دارَ الدواب فرفسته فرسٌ فمات، فجاء المعزون إلى أبيه، فقال: الحمد لله كانوا سبعةً فأخذتَ منهم واحدًا وأبقيتَ ستة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت.
قال ابن خلكان: "وقدم تلك السنة قومٌ من بني عبس فيهم رجل ضرير، فسأله الوليد عن عينيه، فقال: يا أمير المؤمنين، بتُّ ليلة في بطن وادٍ ولا أعلم عبسيًّا يزيد مالُه على مالي، فطرقنا سيلٌ، فذهب بما كان لي من أهل وولد ومال، غيرَ بعيرٍ وصبي مولود، وكان البعير صعبًا فنَدَّ، فوضعت الصبي واتبعتُ البعير، فلم أجاوز إلا قليلاً حتى سمعت صيحة ابني ورأسُه في فم الذئب وهو يأكله، فلحقت البعيرَ لأحبسه، فنفحني برجله على وجهي، فحطمه وذهب بعيني، فأصبحت لا مال لي، ولا أهل، ولا ولد، ولا بعير، فقال الوليد: انطلقوا به إلى عروة؛ ليعلم أن في الناس مَن هو أعظم منه بلاء.
كان أحسن مَن عزَّاه إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: والله ما بك حاجةٌ إلى المشي، ولا أَرَب في السعي ، وقد تقدَّمك عضوٌ من أعضائك، وابنٌ من أبنائك إلى الجنة، والكل تبعٌ للبعض - إن شاء الله تعالى - وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء، من عِلمِك ورأيك، نفعك الله وإيانا به، والله ولي ثوابك، والضمين بحسابك.
جوده و كرمه :كان عروة بن الزبير سخي اليد سمحا جواداً، ومما أثرعن جوده أنه كان له بستانٌ من اعظم بساتين المدينة عذب المياه، ظليل الاشجار ، باسق النخيل، وكان يسوره طوال العام، لحماية اشجاره من اذى الماشية وعبث الصبية، حتى إذا آن أوان الرطب وأينعت الثمار وطابت، واشتهتها النفوس، كسر حائط بستانه في اكثر من جهة ليجيز للناس دخوله، فكانوا يلمون به ذاهبين آيبين، ويأكلون من ثمره ما لذ لهم من الاكل، ويحملون منه ما طاب لهم الحمل ، وكان كلما دخل بستانه هذا ردد قوله جل وعز :{ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله، لا قوة إلا باللّه } الكهف.

من أقواله: قال هشام: قال أبي: " رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزا طويلا " وقال عنه: " ما حدثت أحدا بشيء من العلم قط لا يبلغه عقله إلا كان ضلالة عليه"
توفي عروة ابن الزبير سنة (٩٤ هـ) بالمدينة وبها دفن، وعمره إحدى وسبعون سنة.

(من دروس موسم 2016)

Bookmakers bonuses with www gbetting.co.uk site.